19ضوء قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ وَ أَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ . 1
على الحاج طيّ هذه المراحل الأربع ليبلغ نهايتها، وهذا ما لا يحصل إلاّ للموحّدين الحقيقين الخالصين.
وخلاصة القول، إنّه لاريب في القرب الإلهي، والحجاب الوحيد بين العبد ومولاه هو العبد نفسه وذنوبه، «ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه» 2، و «أنّ الراحل إليك قريب المسافة، وأنّك لاتحتجب عن خلقك إلاّ أن تحجبهم الأعمال دونك» 3، ولكي يتحرّر الإنسان من هذا الحجاب لابد له من السفر عن ذاته والرحيل، وعليه أن يهاجر عن رغباته ومراداته لكي يكون مصداقاً لقوله تعالى: وَ مَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَْرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَ سَعَةً وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَ كانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً . 4وإذا استطاع الإنسان أن ينجو من رؤية الذات فإنّ مشاهدة الأسرار الإلهية، ونيل جنة اللقاء يصبح مسيراً مفتوحاً أمامه.
إنّ أيّام الحج ومناسكه لاسيما أرض عرفات هي أكبر فرصة للتحرّر من رؤية الذات، وللهجرة من بيت النفس، لقد بيّن القرآن الكريم هذه الهجرة في المكانة بقوله: وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ 5، فمن يهاجر الرجز والانحطاط، ويخرج من ضيق الطبيعة، ثم يواجه موتاً أمامه، فإنّ أجره سيكفله الله تعالى، قال سبحانه: وَ مَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَْرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَ سَعَةً وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَ كانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً . 6مقاطع من دعاء عرفة للإمام الحسين (ع)
تختزن أدعية الحج الخاصة الكثير من البركات الزمانية والمكانية وغيرها، وأفضل مناجاة وتضرع تبيّن كذلك الأبعاد السياسية والعبادية للحج والزيارة هو دعاء عرفة، لسيد شهداء حيّ الشهود والشهادة الإمام الحسين بن علي (ع) ، فهو في هذا الدعاء أعطى الأوامر بمواجهة الكفر، ومحاربة سبيل الطاغوت، والوقوف الشجاع أمام المجرمين، بتأسيس منهج مواجهتهم واسقاطهم، كما أنه من جهة أخرى دلّل على مدح الدولة الإسلامية وتقديرها، وظهور الولاية الإلهية، وعلى خط ثالث كشف عن التجلّي الوجودي للذات الإلهية الأقدس، وظهورها الشامل التام مع خفاء كل ما سواها في ضوئها وشعاعها، وفهمه به، وإسقاط قيمة غيره، ومعرفة غيره به، لتكون ذاته الغنية عن أن يستشهد لها.
وهذه بعض ملامح ومؤشرات هذا الدعاء: