11
الأوّل: شرطية عدم تقدّم المأموم علي الإمام
فقد قال المحقّق: ولا يجوز أن يقف المأموم قدّام الإمام. 1واستُدل عليه بعدم الخلاف بين الأصحاب، وظاهر المعتبر الإجماع عليه من غير فرق بين الابتداء والاستدامة، كما هو صريح معقد بعضها اقتصاراً في العبادة التوقيفية، على ما علم ثبوته من فعل النبي (ص) والأئمة (عليهم السلام) ، والصحابة والتابعين وتابعي التابعين وسيرة سائر فرق المسلمين في جميع الأعصار والأمصار، بعد قصور الإطلاقات المساقة لغيره عن تناول مثل ذلك. 2وظاهر كلامه كظاهر كلام الآخرين أنه ليس هناك دليل لفظي يدل على عدم جواز تقدم المأموم على الإمام، ولو كان فإنّما هو إشارات وتلميحات، غير أنّ معقد الإجماع يعمّ عامّة الحالات سواء أكان في المسجد الحرام أم غيره.
ولا يمكن أن يقال: إنّ الإجماع دليل لبّي يقتصر فيه على القدر المتيقّن وهو ما إذا صلّوا على جهة واحدة.
بل يمكن أن يستظهر ذلك من كلمة الإمام بأنه إمام يقتدى به في الأقوال والأفعال، ولازم ذلك عدم كون المأموم متقدماً على الإمام؛ ولذلك نرى أنه ورد في الروايات أنّ الإمام قد سُئل عن رجل أمّ قوماً فصلى بهم ركعة ثم مات؟ قال (ع) : «يقدّمون رجلاً آخر فيعتد بالركعة ويطرحون الميت خلفهم ويغتسل مَنْ مسه» . 3وعلى كل تقدير لايمكن أن نشك في شرطية عدم تقدّم المأموم على الإمام في حال من الأحوال وفي مسجد دون مسجد، وإن كان عدم جواز مساواة الإمام والمأموم موضع تأمل ونقاش.
إذا علمت ذلك فالمهم هو تبيين مدار التقدّم وملاكه.
فلو كان الملاك في التقدّم والتأخّر هو عدم أقربية المأموم إلى الكعبة من الإمام، بل يكونان متساويين أو يكون المأموم أبعد من الكعبة من الإمام، فلازم ذلك صحة الصلاة استدارة، بشرط أن تكون الدائرة الّتي وقف عليها الإمام غير الدائرة الّتي يقف عليها المأموم، وتكون الدائرة الثانية أبعد من الدائرة الأُولى حتّى تكون المسافة بين المأموم والكعبة أكثر من المسافة بين الإمام و الكعبة في عامّة الحالات.
وذلك لأنّ الكعبة لمّا كانت مربعة مستطيلة فلو دارت عليها دائرة، فخطوط هذه الدائرة بالإضافة إلى الكعبة ليست متساوية، بل ما يحاذي منها الزوايا أقرب ممّا يحاذي الأضلاع بطبيعة الحال، لفرض كون الكعبة على شكل المربع المستطيل فالخط المقابل للضلع أبعد من الكعبة بالنسبة إلى الخط المقابل للزاوية بالضرورة.
وعلى ذلك فيجب أن تكون الدائرة الّتي يقف عليها المأمومون أكبر من الدائرة الّتي قام عليها الإمام، أي أبعد عن الكعبة في جميع النقاط، وإلاّ فمجرد كون الفاصل المكاني بين المأموم والكعبة أكبر منه بين الإمام والكعبة، لايكفي - كما هو الظاهر من الكلمات الماضية - مالم يكن الفصل على حدّ يكون الفصل أكبر في عامة الحالات.