25وَرَحِمَكِ الله يا اُمّنا، فقد فقدت في ذلك القفر الهجير الأهل وحنانهم، وفقدت الماء والطعام، وفقدت من يسمعك ويعينك. . . ولكنّك وجدت الله.
فماذا فقدت؟ وماذا وجدت؟
وسلام الله على عليٍّ زين العابدين حيث يناجي الله قائلاً: إلهي ماذا فقد مَن وجدك.
فما أرخص ما فقدت وما أغلى ما وجدت، ولعلّ الله يرزق أبناءك في تقلّبهم في الحياة بعض ما وجدت يومئذ في ذلك القفر الهجير.
5- المباركة للسعي
إنّ السعي الصادق، الخالص، الناصح منزل من منازل رحمة الله دائماً، ينزل الله تعالى إليه بركاته.
لقد جعل الله تعالى تلك العين التي تفجّرت عند قدم إسماعيل بسعي هاجر اُمّ إسماعيل، ماءً مباركاً ومنهلاً عذباً لحجّاج بيته، على مرّ العصور، منذ عصر إبراهيم وهاجر وإسماعيل إلى اليوم، يشرب منه الحجّاج ويروون منه ويتبرّكون به. . . وقد روي عن رسولالله (ص) : «ماء زمزم لما شرب له. من شربه لمرض شفاه الله، أو لجوع أشبعه الله، أو لحاجة قضاها الله» (10) .
وقد كان الناس يشربون من ماء زمزم ليرزقهم الله العلم والمعرفة (11) .
ولا زال الناس يستشفون ويتبرّكون بماء زمزم. ولا زال زمزم يروي ملايين الحجّاج والمعتمرين الذين يقصدون البيت الحرام في كلّ عام.
إنّ السعي لوحده، إذا انسلخ عن النيّة الصادقة والإخلاص وسائر الكلم الطيّب لا يكون موضعاً لمثل هذه البركات العظيمة.
إنّ هذه البركات من صنع الله تعالى، وليس من صنع الإنسان، لا يصنعها الإنسان بسعيه وجهده، وإنّما يصنعها الله تعالى حيث يعرف الصدق والإخلاص في السعي.
إنّ السعي عقيم من دون الصدق والإخلاص، ومبارك تتّصل بركاته ومنافعه بالصدق والإخلاص. . . وهما الكلمتان الطيّبتان المباركتان في سعي الإنسان، والبركة ليست بحجم العمل، فقد أسّس رسول الله (ص) في المدينة المنوّرة مسجداً على التقوى من الطين وجذوع النخيل وسعف النخيل. . . وكان هذا المسجد مصدر خير وبركات كثيرة على المسلمين منذ أسّسه رسول الله (ص) على التقوى إلى اليوم. . . وبنى الملوك والخلفاء والسلاطين مساجد عظيمة، بتكاليف باهظة لا تجد لها اليوم أثراً غير الخرائب التي يحتفظ بها هواة الآثار. . . أرأيت مسجد العبّاسيّين في سامراء؟
6- التكريم
وكم يسعى الناس في حياتهم، ويعملون ويتحرّكون، ولكن الله تعالى ينتقي سعي هذه المرأة الصالحة، في الوادي القفر، دون سائر سعي الناس، ليكون جزءاً من مناسك الحجّ.
كيف رقى هذا السعي عند الله إلى هذا الموقع المتميّز الممتاز، فكان جزءً من مناسك فريضة الحجّ دون سائر سعي الساعين؟ لا نعلم.
ولكن لكلّ انتقاء واختيار من عند الله سنن وقوانين وقواعد وحساب. . . ولسنا نعلم من هذه السنن والقواعد إلاّ القليل.
لقد كانت هاجر (أَمَة) ، ولم تكن حُرّة، وكانت اُمّ ولد إبراهيم، والناس لا يعبؤون في حساباتهم في التقييم بمثل هذه المرأة، ولا يدخل سعيها في أولويّات التقسيم والتفضيل.