22وهذا هو درس السعي. . . لم تيأس من طلب الماء في ذلك الوادي القفر، ولم تتعب من السعي سبعة أشواط من الصفا إلى المروة وبالعكس، حتّى رزقها الله الماء في الوادي غير ذي الزرع.
الدرس الثالث: التسليم والطاعة والصبر على الطاعة
الدرس الثالث لابنها إسماعيل (ع) ، إذ عاد إليه أبوه إبراهيم (عليهما السلام) ، وقد تركه طفلاً صغيراً بجانب اُمّه بواد قفر غير ذي زرع، من غير طعام ولا شراب، ولا أنيس، فعاد إليه وهو شاب يافع يرعى الأغنام مع شباب جُرْهم، يملأ عيني أبيه الشيخ وقلبه بجماله. . . فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ قَالَ يَا بُنَىَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللهُ مِن الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (7) .
يستسلم إسماعيل لأمر الله، ويقول لأبيه: سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللهُ مِن الصَّابِرِينَ .
هذه دروس ثلاثة في التوحيد من إبراهيم وزوجه وولدهما (عليهم السلام) :
(التوكّل على الله والثقة به) ، و (السعي إلى رزق الله) ، و (التسليم لأمر الله والصبر على ذلك) .
وكلّ هذه الدروس من التوحيد. . . ولست بقادر على الترجيح فيما بينها وتفضيل بعضها على بعض.
أيّ موقف هو الأفضل؟ موقف الأب وهو يترك زوجه وولده بواد غير ذي زرع، من دون أنيس ولا طعام ولا شراب ويقدم على ذبح ولده إسماعيل، أم الاُمّ وهي تسعى في ذلك الوادي للبحث عن الماء لتنقذ ابنها من الهلاك، أم موقف الولد وهو يستسلم لأمر الله أن يُذبح على يد أبيه، وهو يقول: سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللهُ مِن الصَّابِرِينَ .
ولكنّها دروس عالية في التوحيد.
سبعة دروس من سعي اُمّ إسماعيل:
ونحن هاهنا نقتصرها على درس (السعي) وهو الدرس الذي نتلقّاه هنا، في هذه القصّة من اُمّنا اُمّ إسماعيل (س) .
لقد شاء الله تعالى أن يثبت سعي هاجر (اُمّ إسماعيل) في واحدة من أعظم فرائض الإسلام ألا وهي فريضة الحجّ.
ويأمر الله تعالى الأبناء أن يجروا في كلّ عام على خُطى اُمّهم اُمّ إسماعيل بين الجبلين الصفا والمروة، ويعيدوا ذِكر سعيها في هذا الوادي، جيلاً بعد جيل.
لقد تضمّن سعي اُمّ إسماعيل يومئذ بجوار البيت الحرام دروساً في التوحيد والسلوك إلى الله، نذكر طائفة منها، بقدر ما يتّسع له صدر هذا المقال. وإليك هذه الدروس تِباعاً:
1- السعي من منازل الرحمة
إنّ رحمة الله تعالى نازلة تفيض على الناس، في كلّ زمان ومكان، لا يخلو منها زمان ولا مكان، ولكن لرحمته تعالى منازل خاصّة، تنزل الرحمة في هذه المنازل، لا كما تنزل في سائر المواضع. . . إنّها تصبّ في هذه المنازل بغير حساب.
ومن يطلب رحمة الله فعليه أن يطلبها في هذه المنازل، والعارفون من عباد الله هم الذين يعرفون هذه المنازل، كما يعرف الناس بيوتهم وأولادهم، يرصدون هذه المنازل ويبتغون فيها رحمة الله.
من هذه المنازل المنازل الزمانيّة؛ مثل ليلة الجمعة، وليلة النصف من شعبان، ويوم عرفة، وليلة القدر، وشهر رمضان، وشهر رجب وشعبان، وقد ورد في شهر رجب أنّ الرحمة تصبّ فيه صبّاً، لذلك يُقال له: (رجب الأصبّ) .
ومن هذه المنازل المنازل المكانيّة؛ مثل بيت الله الحرام، ومسجد رسول الله (ص) ، ومسجد الكوفة، والمسجد الأقصى، والحائر الحسيني وسائر المساجد.