156خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَ بَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ .
فلاحظ أن هذه الآيات بينت الهدي والنحر والطواف والإحلال من الإحرام وذكر اسم الله، وهي شعائر الحج الأساسية. وكان الخطاب موجهاً إلى الأمة المسلمة موصولة بسيرة أبيهم إبراهيم، مما يشير إلى أن الحج قد يكون فرضه في وقت مبكر أو على الأقل بينت مناسكه أو أحكامه , باعتباره شعيرة إبراهيم الذي إليه ينتسب المسلمون، فإذا كانت قد وجدت عقبات من الصراع بين المسلمين والمشركين - وهم سدنة الكعبة إذ ذاك - جعلت أداء الفريضة متعذراً بعض الوقت , فذلك اعتبار آخر. وقد رجح أن بعض المسلمين كانوا يؤدون الفريضة أفراداً في وقت مبكر؛ بعد تحويل القبلة في السنة الثانية من الهجرة. .
ولكن يبقى أن سورة الحج مدنية, وأن تاريخ فرض الحج متردد بين الآيتين 196 من سورة البقرة و97 من سورة آل عمران.
لقد فرض الحج سنة ست أو سنة تسع من الهجرة على اختلاف بينهم، و سنة تسع هي سنة الوفود التي نزلت فيها سورة آل عمران، وفيها قول الله تعالى:
وَ لِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً .
كما أن تأريخ الحج يعد واحداً من الأدلة التي ساقوها لإثبات أن الحج واجب على الفورية أو التراخي، فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة، إلى أن الحج إنما فرض في السنة التاسعة أو في أواخر السنة التاسعة، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ .
وعلى هذا قالوا: إن الحج على الفور، والذي منع الحبيب (ع) أن يحج في السنة التاسعة هو لأجل أن كان في قريش من يطوف وهو عريان وكان من يطوف وهو مشرك.
فيما ذهب الشافعي إلى أن الحج إنما فرض في السنة السادسة، قال: لقوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ (9) ، قال: إن هذه الآية نزلت مقترنة مع قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنْكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (10) ، قال: ومن المعلوم أن هذه الآية نزلت في حق من؟ كعب بن عجرة حينما كان آذاه هوام رأسه، فأمره النبي (ص) أن يفعل الحلق وأن يفتدي، قال الشافعي: وهذا كان في السنة السادسة وقت الحديبية.
وعلى هذا، فإن فريضة الحج على رأيهم جاءت سنة ست فأخر النبي (ص) الحج إلى سنة عشر من غير عذر فلو لم يجز التأخير لما أخره. وبالتالي فالحج عند هذا الفريق مبني على التراخي.
هذه خلاصة ما قرأته عنهم. (11)
بعد هذه المقدمة نعود الى مباحث المقطع الأول من الآية المذكورة:
وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ (12)
ففي هذا المقطع مباحث قيمة نتعرض لها:
المقطع إعراباً ولغة ومعنى
الواو عاطفة، وأتموا في مصادر اللغة: من تم بتشديد الميم تماً وتماماً: كمل، وأتم الشيء: أكمله. .