155أن الحج فرض في أواخر سنة تسع من الهجرة، وأن آية فرضه هي قوله تعالى: وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً. . . .
نزلت عام الوفود أواخر سنة تسع وهو رأي أكثر العلماء، وأنه (ص) لم يؤخر الحج بعد فرضه عاماً واحداً، وإنما أخره (ع) للسنة العاشرة لعذر، وهو نزول الآية بعد فوات الوقت (7) ، فكان حجه بعد الهجرة حجة واحدة سنة عشر، كما روى أحمد ومسلم.
وقد يصح ما يقال: إن ما ذكره ابن قيم الجوزية في كتاب: «زاد المعاد» من أن الحج فرض في السنة التاسعة أو العاشرة من الهجرة، قد يكون ارتكازنا منه إلى أن الرسول (ص) حج حجة الوداع في السنة العاشرة؛ وأنه أدى الفريضة عقب فرضها إما في السنة التاسعة أو العاشرة. . ولكن هذا لا يصلح سنداً. فقد تكون هناك اعتبارات أخرى هي التي جعلت الرسول (ص) يؤخر حجّه إلى السنة العاشرة. وبخاصة إذا لاحظنا أنه أرسل أبا بكر أميراً على الحج في السنة التاسعة. وقد ورد أن رسول الله (ص) لما رجع من غزوة تبوك همّ بالحج؛ ولأن المشركين يحضرون موسم الحج على عادتهم , وأن بعضهم يطوفون بالبيت عراة , فكره مخالطتهم. . ثم نزلت براءة , فأرسل (ص) علي بن أبي طالب (ع) يبلغ مطلع براءة للناس , وينهي بها عهود المشركين , ويعلن يوم النحر إذا اجتمع الناس بمنى: " أنه لا يدخل الجنة كافر , ولا يحج بعد العام مشرك , ولا يطوف بالبيت عريان. ومن كان له عهد عند رسول الله (ص) فهو إلى مدته". . . ومن ثم لم يحج (ص) حتى تطهر البيت من المشركين ومن العرايا.
نعم، هناك أمور يستأنس بها على أن فريضة الحج وشعائره قد يكون الإسلام قد أقرها قبل هذا الوقت. مثل أنها كتبت في مكة قبل الهجرة. ولكن هذا القول قد لا يجد له سنداً قوياً، اللهم إلا أن يؤخذ بالرأي الذاهب إلى أن سورة الحج نزلت في مكة فهي سورة مكية وقد ذكرت معظم شعائر الحج , بوصفها الشعائر التي أمر الله إبراهيم بها.
يقول ابن عاشور في تفسيره:
ووجه تسميتها سورة الحج أن الله ذكر فيها كيف أمر إبراهيم (ع) بالدعوة إلى حج البيت الحرام، وذكر ما شرع للناس يومئذ من النسك تنويهاً بالحج وما فيه من فضائل ومنافع، وتقريعاً للذين يصدون المؤمنين عن المسجد الحرام وإن كان نزولها قبل أن يفرض الحج على المسلمين بالاتفاق، وإنما فرض الحج بالآيات التي في سورة البقرة وفي سورة آل عمران.
إلى أن قال: وقال الجمهور: هذه السورة بعضها مكي وبعضها مدني وهي مختلطة، أي لا يعرف المكي بعينه، والمدني بعينه. قال ابن عطية: وهو الأصح. (8)
ومع أن شعائر الحج بينت في سورة الحج:
وَ إِذْ بَوَّأْنا لإِِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِى شَيْئاً وَ طَهِّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَ أَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِى أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَْنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَ أُحِلَّتْ لَكُمُ الأَْنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَْوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفاءَ لِلهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ * ذلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ * وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَْنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ الصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَ الْمُقِيمِى الصَّلاةِ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ * وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها