13مسجد الشجرة: «. . . لأنّه لمّا اُسري به إلى السماء وصار بحذاء الشجرة، نُودي: يا محمّد! قال: لبّيك، قال: ألم أجدك يتيماً فآويتك، ووجدتك ضالاًّ فهديتك؟ (51) ، فقال النبيّ (ص) : إنّ الحمدَ والنِّعمة والمُلك لك، لا شريكَ لك. . .» (52) .
رهبانيّة اُمّة الإسلام
يقول رسول الله (ص) : «اُبدِلنا بها [الرهبانيّة] الجهادَ والتكبير على كلّ شرف» (53) .
إنّ تعبير «التكبير على كلّ شرف» ناظر إلى ذكر التلبية الذي يردّده زوّار بيت الله الحرام عند كلّ مرتَفَع، بصوت عال واثق: «لبّيك» فهذه هي الرهبانيّة الممدوحة والمحمودة التي دعا الله سبحانه عباده إليها، قال تعالى: وَإِيَّاىَ فَارْهَبُونِ (54) .
إنّ احترام الله المأمور به في هذه الآية يعني أخذ حريم اعتقادي له، بمعنى أنّ على الإنسان التواضع والخشوع في المحضر الإلهي الذي لا يرى غيره، ولا يعتمد على ما سواه، ولا يرتبط قلبه بما دونه، وهناك يعلن القول: لقد لبّيت أمرك وأتيتُ لمحضرك «لبّيك. . .» .
مثل هذا الحاجّ هو راهب الله، وهذا هو الحجّ الذي يشمل الرهبانيّة الممدوحة والمحمودة، التي دعينا إليها (55) .
تجلّي التوحيد في التلبية
حول ذكر التلبية: «لبّيك اللّهُمَّ لبيّك، لبّيك لا شريكَ لك لبّيك، إنّ الحمدَ والنِّعمة لكَ والمُلك، لا شريكَ لك لبّيك، لبّيك ذا المعارج لبّيك. . .» ، يقول الإمام الصادق (ع) : «. . . واعلم أنّه لابدّ من التلبيات الأربع التي كُنّ في أوّل الكلام، وهي الفريضة، وهي التوحيد، وبها لبّى المرسلون، وأكثر من ذي المعارج؛ فإنّ رسول الله (ص) كان يُكثر منها، وأوّل مَن لبّى إبراهيم (ع) . . .» (56) .
وفي نهاية جوابه عن سؤال حول «إشعار البدن» (57) الذي يعدّ بمثابة التلبية في بعض أقسام الحجّ. . . يقول الإمام الصادق: «. . . ثمّ قُل: بسم الله، اللّهُمَّ منك ولك، اللّهُمَّ تقبَّل منّي» (58) .
إنّ هذا الحديث الشريف، مثل دعاء الإحرام: «اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ أن تجعلني ممّن استجاب لك، وآمن بوعدك، واتّبع أمرك، فإنّي عبدُك، وفي قبضتك، لا أوقى إلاّ ما وقيت، ولا آخذ إلاّ ما أعطيت» (59) ناظرٌ إلى ما سبق أن تحدّثنا عنه حول تمثّل التوحيد في الحجّ، حيث المقصود من الحجّ لقاء الله، وطرد كلّ ما سواه.
إنّ التلبية جواب خالص لله سبحانه، من هنا فهي تُذيب كلّ الخسائس والانحطاطات، وتطرد كلّ شيطان خبيث متمرّد، تماماً كما يقول الإمام الصادق (ع) حول البيداء (60) التي لبّى منها رسول الله (ص) : «ها هنا يخسف بالأخابث» (61) .
طرد الجاهليّة القديمة والحديثة
يطرد الحجّ بتلبيته الخاصّة المذكورة كلّ جاهليّة، ويكسر كلّ صنم أو علامة للشرك الجاهلي، ويحطّم كلّ أنواع الباطل القديمة والجديدة، وبناءً عليه، فالحجّ شفاءٌ للقلوب من أمراض الشرك أو ما يتلوّث به، كالرِّياء والهوى والبخل والعُجب و. . .
ولتوضيح هذه النقطة نذكّر بأنّ التلبية في الحجّ في العصر الجاهلي كانت نداءً للشرك وصرخةً للوثنيّة؛ لأنّ المشركين كانوا يقولون في تلبيتهم: «لبّيك اللّهُمَّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك، إلاّ شريكٌ هو لك، تملكهُ وما مَلك» (62) ؛ وبهذا الكلام كانوا يثبتون لله الشريك، رغم كون هذا الشريك مملوكاً لله نفسه!