73ثم يأتي التطهير وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ الْقٰائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ فلهؤلاء أنشئ البيت، الذين يعبدون الله تعالى ولا يشركون في عبادتهم له أحداً في طوافهم بالكعبة وفي قيامهم وركوعهم وسجودهم . . كل هذا كان تمهيداً للأذان المبارك.
وَ أَذِّنْ فِي النّٰاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجٰالاً وَ عَلىٰ كُلِّ ضٰامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ .
يأتون يسعون على أقدامهم من طرق بعيدة وعلى كل إبل وقد جهدها السير والبعد والجوع فهزلت وضمرت حتى ورد أنه لا يدخل بعير ولا غيره الحرم إلا وقد هزل..
وفي ثواب السعي إلى البيت المبارك روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال لبنيه : يا بني حجوا من مكة مشاة حتى ترجعوا إليها مشاة فإني سمعت رسول الله(ص) يقول: للحاج الراكب بكل خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة وللحاج الماشي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم . قيل : وما حسنات الحرم ؟ قال : الحسنة بمائة ألف حسنة 1 .
وبدلالة وَ أَذِّنْ فِي النّٰاسِ ... و .. . مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . .
أي ناد في الناس وأعلمهم بوجوب الحج وإن تعددت أماكنهم وتباعدت بلدانهم وتناءت أمصارهم ..
ولا بأس بنقل هذا الخبر: قال محمد بن ياسين : قال لي شيخ في الطواف: من أين أنت؟ فقلت: من خراسان . قال : كم بينكم وبين البيت؟ قلت: مسيرة شهرين أو ثلاثة . قال : فأنتم جيران البيت . قلت : أنت من أين جئت؟ قال : من مسيرة خمس سنوات وخرجت وأنا شاب فاكتهلت . قلت: والله هذه الطاعة الجميلة والمحبة الصادقة . فقال :
زر من هويت وان شطت بك الدار
وسواء أكان المخاطب نبي الله إبراهيم أم رسول الله محمد صلوات الله عليهما، فقد وقع الاختلاف بين المفسرين في من الذي يؤذن بالحج؟
فجمهور المفسرين ذهب إلى أن المخاطب هو نبي الله إبراهيم(ع) وقالوا: أسمع الله تعالى صوت إبراهيم كل من سبق علمه بأنه يحج إلى يوم القيامة .. . عن ابن عباس قال : لما أمر الله سبحانه إبراهيم أن ينادي في الناس بالحج صعد أبا قبيس «وهو جبل» ووضع إصبعه في أذنيه وقال : يا أيها الناس أجيبوا ربكم فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأول من أجابه أهل اليمن.
فيما ذهب غيرهم إلى أن المخاطب بالآية هو نبينا محمد(ص) أي وأذن يا محمد في الناس بالحج فأذن(ص) في حجة الوداع، أي أعلمهم بوجوب الحج 3. .
إن الحج إلى البيت العتيق كما يبدو لمن تتبع تاريخ الحج كان في شريعة الأنبياء والرسل وأنه كان عبادة مألوفة منذ عصور قديمة، فقد صحت آثار على ذلك، منها:
ما ورد من أن هوداً وصالحاً(عليهما السلام) قد مروا بوادي عُسفان يلبون ويحجون البيت العتيق . . . ومن أن يونس وموسى(عليهما السلام) قد حجا أيضاً 4 .
وأيضاً يمكن الاستفادة من الآية ( 27) من سورة القصص التالية على أن الحج كان معروفاً لهم حيث اعتادوا أن يعدوا السنين بالحج، وفي ذلك يقول نبي الله شعيب لموسى الكليم8:
قٰالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هٰاتَيْنِ عَلىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمٰانِيَ حِجَجٍ... .
المقصود هنا ثمانية أعوام، وإنما سمي العام حجة على اعتبار أن في كل عام حجة إلى بيت الله الحرام، وهذا قد يصح أن يكون دليلاً على أنهم كانوا يحجون . ويقال في لغة الشهور: «ذو الحجة»؛ لوقوع حج البيت في هذا الشهر..
وإذا ما نظرنا إلى الحديث النبوي الشريف:
«الحج عرفة» .
وإلى ما عليه الناس من الاجتماع في صعيد واحد أرض عرفة وزمن واحد يوم عرفة، ندرك عندئذ الطابع الجماعي وهو ما يحمله الخطاب الجماعي لهذه الشعيرة والعبادة المباركة الوارد في آياتها، بل إن مناسك الحج وأعماله ترمز بأجمعها إلى السنن الفاعلة في الاجتماع الإنساني أو