72أو وكما تحمله لنا رواية أخرى عن الإمام الصادق(ع) : «من أمّ هذا البيت حاجاً أو معتمراً مبرءاً من الكبر رجع من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه، والكبر هو أن يجهل الحق ويطعن على أهله، ومن فعل ذلك فقد نازع الله رداءه» 1.
فالإنسان المؤمن يخرج من الحج ومن مناسكه إنساناً آخر بحياة أخرى، وكأنه يبدأ عمراً جديداً وشوطاً جديداً يحمل كل معاني الخير والعطاء لنفسه ولأسرته ولمجتمعه وأمته ولدنياه وآخرته..
ونلاحظ أن الخطاب في آية الحج جاء للناس دون سائر الأركان العبادية الأخرى، وهذا يدل على أن فريضة الحج كما يظهر هي استحقاق رباني، حيث إن التعبير عام كما في الآية يقول تعالى :
لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً...
2
.
وهكذا
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّٰاسِ .
..وَ هُدىً لِلْعٰالَمِينَ .
وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ .
وحتى البيت نفسه مركز فريضة الحج هو مثابة للناس كما في الآية :
وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثٰابَةً لِلنّٰاسِ وَ أَمْناً..
وحتى الأذان بالحج كان للناس كما في الآية : وَ أَذِّنْ فِي النّٰاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ ... 3 .
فهو للناس وللعالمين وعلى الناس وعن العالمين . . كلها ألفاظ تميزت بها هذه الفريضة مكاناً وزماناً وتاريخاً ودعوة، وتدل على عمومية الخطاب وهي فضيلة اختصّت بها دون سواها . .
يقول الشيخ السيوري في كنزه: ( على الناس ) عام أبدل منه (من استطاع) بدل بعض من الكل للذكور والإناث والخناثي، خص بمنفصل إما عقلاً وهو اشتراط الفهم للخطاب لاستحالة تكليف غير الفاهم، أو نقلاً وهو قوله(ص) :
«رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق، والنائم حتى ينتبه».
ولما كان العبد محجوراً عليه لا قدرة له على التصرف في نفسه لم يكن مستطيعاً فخرج أيضاً من العموم 4.
إنه استحقاق، وهو دَين على الناس، كل الناس، كيف لا والمسجد الحرام هو أول بيت وضع لعبادةالله؟! كيف لا ومكة هي أم القرى، أي أمّ الأمم، فمنها كان انطلاق الإنسان في خلافته الأرض؟! من هنا كان الخطاب للناس كل الناس .
فكما خوطب الإنسان أن يعبد ربه وحده، وفق ما بيّنه الله تعالى في رسالاته، خوطب أيضاً بأن يقصد البيت الحرام الذي فيه عبد الآباء الأوائل ربهم، والذي منه انطلقوا ليكونوا خلفاء الأرض، ومن أراد أن يستجيب إلى هذا الأذان فعليه أن يقبل شروط أداء هذا الاستحقاق . من هنا ندرك بعض أسرار ختم الآية (97) من آل عمران بقوله تعالى: ...وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ .
ثم إذا عدنا إلى قراءة الآية (96) من سورة آل عمران، والتي تسبق الآية (97) تقول:
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّٰاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبٰارَكاً وَ هُدىً لِلْعٰالَمِينَ نلاحظ:
وُضِعَ لِلنّٰاسِ .. .
هُدىً لِلْعٰالَمِينَ .
والآية (97) .. . وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ .. . غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ .
ونرجع إلى الآية (27) من سورة الحج وهي آخر آية ذكر فيها لفظ الحج في القرآن الكريم نجد أن أذان إبراهيم(ع) بالحج كان أذاناً عالمياً عاماً للجميع بعد أن هيأته له السماء ووطأته كما في الآية الكريمة 26 من السورة نفسها: وَ إِذْ بَوَّأْنٰا لِإِبْرٰاهِيمَ مَكٰانَ الْبَيْتِ .
و أَنْ لاٰ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً .
فهو بيت لله وحده دون سواه.