56« وكان المسعى في موضع المسجد الحرام اليوم، وكان باب دار محمد بن عباد بن جعفر عند حد ركن المسجد الحرام اليوم عند موضع المنارة الشارعة في نحر الوادي فيها علم المسعى، وكان الوادي يمر دونها في موضع المسجد الحرام اليوم». 1
كما ذكر العلامة الأزرقي تحت عنوان: (ذكر ذرع ما بين الركن الأسود إلى الصفا، وذرع ما بين الصفا والمروة) قوله:
«وذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى العلم الذي بحذائه على باب دار العباس ابن عبدالمطلب، وبينهما عرض المسعى خمسة وثلاثون ذراعاً ونصف، ومن العلم الذي على باب دار العباس إلى العلم الذي عند باب دار ابن عباد الذي بحذاء العلم الذي في حد المنارة وبينهما الوادي مائة ذراع وواحد وعشرون ذراعاً» . 2
ما ذكره الأزرقي هنا يقرر فيه واقع المسعى بعد توسعة محمد المهدي في موضعين :
أولاً: المسافة العرضية بين دار العباس ، وباب المسجد مقابله خمسة وثلاثون ذراعاً .
ثانياً: المسافة بين العلم على باب دار العباس إلى العلم الآخر الذي عند دار ابن عباد بحذاء العلم الذي في حد المنارة، مائة ذراع وواحد وعشرون ذراعاً ، وهذا مقدار المسافة بين العلمين طولاً .
يؤكد المؤرخ الفقيه العلامة قطب الدين محمد بن أحمد الحنفي المكي المتوفى عام 988ه- ما ذكره الفقهاء المؤرخون قبله: الأزرقي، والفاكهي، والفاسي (832ه) وغيرهم لما حدث قبله، وظل واقعاً قائماً حتى عصره في قوله:
«كان المسعى في موضع المسجد الحرام اليوم، وكان باب دار محمد بن عباد بن جعفر العبادي عند حد ركن المسجد اليوم عند موضع المنارة الشارعة في نحر الوادي عن دونها في بعض المسجد الحرام اليوم، فهدموا أكثر دار محمد بن عباد بن جعفر العبادي، وجعلوا المسعى والوادي فيها، وكان عرض الوادي من الميل الأخضر اللاصق للمئذنة التي في الركن الشرقي، وكان هذا الوادي مستطيلاً إلى أسفل المسجد الآن يجري فيه السيل ملاصقاً لجدر المسجد إذ ذاك، وهو الآن بطن المسجد من الجانب اليماني.. . ويجعل مسيلاً محلاً للسعي .. .» 3
ثم أضاف العلامة الفقيه المؤرخ قطب الدين الحنفي قوله:
« وأما المكان الذي يسعى فيه الآن فلا يتحقق أنه بعض من المسعى الذي سعى فيه رسول الله (ص) ، أو غيره فكيف يصح السعي فيه، وقد حوّل عن محله كما ذكر هؤلاء الثقات؟
ولعل الجواب عن ذلك: أن المسعى في عهد رسول الله (ص) كان عريضاً، وبنيت تلك الدور بعد ذلك في عرض المسعى القديم فهدمها المهدي، وأدخل بعضها في المسجد الحرام، وترك بعضها للسعي فيه، ولم يحول تحويلاً كلياً، وإلا لأنكره علماء الدين من الأئمة المجتهدين مع توفرهم إذ ذاك، فكان الإمامان أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، والإمام مالك بن أنس رضي عنه موجودين يومئذ، وقد أقروا ذلك، وسكتوا، وكذلك من صار بعد ذلك الوقت في مرتبة الاجتهاد كالإمام الشافعي، وأحمد بن حنبل، وبقية المجتهدين، فكان إجماعاً منهم على صحة السعي من غير نكير نقل عنهم». 4
البيئة الطبيعية للصفا والمروة وما طرأ عليهما من تغييرات عبر التاريخ
تقديم:
من المسلّمات في الشرع الإسلامي أن أماكن المشاعر المقدسة، ومنها الصفا والمروة تعبدية، توقيفية لا تقبل التبديل، وعلى الرغم من هذا طال التغيير موضع المسعى المشعر عبر التاريخ، وبالتحديد في زمن الخليفة المهدي، ولم يثر هذا اعتراض أحد من الأئمة في ذلك الوقت، على الرغم من وجود كبار أئمة الإسلام وفقهائه، موضحاً هذا في النص التالي:
« وهاهنا إشكال ما رأيت من تعرض له وهو: أن السعي بين الصفا والمروة من الأمور التعبدية التي أوجبها الله تعالى علينا في ذلك المحل المخصوص، ولا يجوز لنا العدول عنه، ولا تعتبر هذه العبادة إلا في ذلك المكان المخصوص الذي سعى رسول الله (ص) ، وعلى ما ذكره هؤلاء الثقات أدخل ذلك المسعى في الحرم الشريف، وحول المسعى إلى دار ابن عباد كما تقدم.
وأما المكان الذي يسعى فيه الآن قلا يتحقق أنه بعض من المسعى الذي سعى فيه رسول الله(ص) أو غيره فكيف يصح السعي فيه ، وقد حول عن محله كما ذكر هؤلاء الثقات ، ولعل الجواب عن ذلك : أن المسعى في عهد رسول الله(ص) كان عريضاً وبنيت تلك الدور بعد ذلك في عرض المسعى القديم فهدمها المهدي ، وأدخل بعضها في المسجد الحرام وترك بعضها للسعي فيه ولم يحول تحويلاً كلياً ، وإلا لأنكره علماء الدين من الأئمة المجتهدين مع توفرهم» 5
إن ما توصل إليه العلامة الفقيه قطب الدين النهروالي صحيح، وأن المسعى، كان عريضاً في عهد الرسول (ص) ، ولذلك لم يبد الأئمة اعتراضاً على ذلك التحويل، بل هو تحويل في حدود ما يسمى بالمسعى، ومن أجل تقعيد هذه العبارة وتأصيلها لابد أن تستند إلى حقائق علمية موضوعية، ووضع طبيعي لتشكل ضابطاً فقهياً في هذا الموضوع، كما هي عادة الفقهاء، وأن لا يترك الموضوع للعموميات، فلا بد لمثل هذه الأمور من ضابط، وهذا ما اعتنى به هذا البحث وتوصل إليه .