57الصفا جبل متصل بجبل أبي قبيس أقيمت عليه المنازل عبر العصورحتى حجبت جزءاً كبيراً منه ، يتجلى هذا في الصور الفوتوغرافية قبل مشروع توسعة الحرم الشريف عام 1375ه.
كان جبل الصفا يفصل شمال مكة عن جنوبها ، وبالجانب الغربي منه يقع وادي إبراهيم ، وفيه الطريق الذي يوصل شمال مكة بجنوبها ، ولما بدأت توسعة الحرم المكي الشريف عام 1375ه- وضم المسعى إلى الحرم الشريف، اضطرت الدولة السعودية إلى إيجاد طريق يصل شمال مكة بجنوبها تسلكه السيارات فبدأت بقطع الجبل من جهة أبي قبيس ، والجبل من جهة الصفا ، واستعملت في ذلك الوقت الآلات المتاحة فقامت باستعمال منشار حديدي استغرق شهوراً طويلة حتى تمكنت من شق طريق يتسع للسيارات ، ومر على جبل الصفا في فترات مختلفة تكسير وتمهيد وتسوية بالأرض حتى بلغ إلى الحد الذي اختصر فيه الجبل من أعلاه ما نشاهده في الوقت الحاضر في مشعر الصفا من بقايا الجبل ، أما قاعدة الجبل فهي أكبر بكثير من المشاهد على سطح الأرض.
أما جبل المروة فظاهر عرضه ، وامتداده في الوقت الحاضر بما يدل على قاعدة عريضة جداً؛ ذلك أن الهابط من شارع المدعى في الوقت الحاضر يطلع صعوداً إلى جبل المروة، وامتداده شرقاً وغرباً وشمالاً، واضح للعيان بما لا يحتاج إلى دليل.
أصاب الجبلين عبر التاريخ الكثير من التغييرات: تكسيراً، وقطعاً، وإزالة من جميع جوانبهما، وبنيت عليهما البيوت، والقصور الشامخة ، وتعرض عرض المسعى إلى التعديات وبناء المساكن مما أدى إلى ضيقه من جميع جوانبه ، ومن ثم فرض على ولاة البلد الأمين في ذلك الوقت إحاطة الصفا والمروة بالبناء من جوانبهما الثلاثة كما هو مشاهد في صورهما القديمة؛ حتى لايطول التعدي المساحة الطولية لها، وأصبح واضحاً أن العقود في واجهة الصفا، والعقد الكبير في واجهة المروة لاتمثل بحال عرض المسعى ، وإنما شيدت حماية للمشعر من التعدي ، وليس معناها أنها استوعبت عرض المسعى ، هذا ما جاء صريحاً في قرار اللجنة المكونة من كل من:
«الشيخ عبد الملك بن إبراهيم ، والشيخ عبد الله الجاسر ، والشيخ عبد الله بن دهيش ، والسيد علوي مالكي ، والشيخ محمد الحركان ، والشيخ يحي أمان ، بحضور صالح قزاز ، وعبد الله بن سعيد مندوبي الشيخ محمد بن لادن ...وقرروا ضمن الكلام على (مساحة الصفا والمروة واستبدال الدرج بمزلقان، ونهاية أرض المسعى في قرار مشايخ): ولكون العقود الثلاثة القديمة لم تستوعب كامل الصخرات عرضاً، فقد قررت اللجنة أنه لامانع شرعاً من توسيع المصعد المذكور بقدر عرض الصفا» 1.
وهذا ما سيقف القارئ عليه في العنصر التالي المتعلق بالجانب التاريخي تفصيلاً .
توّجت واجهة الصفا قديماً بعقود ثلاثة، وواجهة المروة بعقد واحد كبير ممتد من الطرف الشرقي حتى نهاية الطرف الغربي، وقد حرص الخلفاء عبر التاريخ الإسلامي على المحافظة على هذه الحدود بإحاطتهما بالبناء؛ لما لاحظوه من كثرة التعدي بالبناء على جانبيهما الشرقي والغربي، والشمالي، والجنوبي، وليحافظوا على ما تبقى حتى لا يتعدى على فضائهما، وقد أحاطت بهما المنازل من جهاتهما، تحدث عن هذا المؤرخون بالتفصيل 2.
مشعر الصفا قبل توسعة الحرم عام 1375ه
في وصف تفصيلي للصفا قبل الهدميات التي تمت لتوسعة الحرم الشريف، وقد كان البدء به من جهتهما ، يقول الزميل الدكتور عويد بن عياد المطرفي، وهو ممن درج في رحاب هذه الأماكن الطاهرة منذ الصبا، ومرحلة الشباب، وتابع بدقة ما جرى في المسعى وبخاصة الصفا والمروة وما طرأ عليهما من تغيرات:
«وهنا أقول: إن الصفا الوارد ذكره في قول الله عز وجل: إِنَّ الصَّفٰا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ 3، جبل في سفح جبل أبي قبيس معروف بذاته وصفاته يمتد ارتفاعاً في سنده 4، ويمتد في أصله وقاعدته الغربية جنوباً إلى منعرجه نحو أجياد الصغير (موضع قصر الضيافة اليوم)، ويمتد شمالاً إلى منعطفه نحو البطحاء (موضع الساحة الواقعة اليوم أمام باب العباس).
وليس الصفا مقصوراً على الحجر الأملس الذي كان موجوداً هنالك، ولا على ما هو مشاهد اليوم في الموضع الذي يبدأ منه الساعون سعيهم كما يتبادر إلى بعض الأذهان من مشاهدة العيان؛ إذ لو كان الأمر كذلك لاستدعى الحال أن نضيِِّق من عرض المسعى!!!.
وهذا مما لايقول به عاقل».
وكانت أحداب ومرتفعات جبل الصفا الغربية مما يلي أجياد تمتد ظاهرة للعيان قبل أن تبدأ الهدميات لتوسعة المسعى والمسجد الحرام من ناحيته الجنوبية وغيرها في شهر صفر عام 1375ه- في عهد الملك سعود، وكان على أحد أكتافه الممتدة جنوباً المتصلة بأجياد الصغير ثنية يصعد إليها من أجياد الصغير ، ثم تنحدر منها طريق تمر وسط سقيفة مظلمة، ومنها تنزل الطريق من فوق هذا الجبل متعرجة بين البيوت المنتشرة على تلك المنطقة من جبل الصفا حتى تصل إلى الصفا الذي يبدأ الساعون منه سعيهم في غربه .
كما كانت البيوت السكنية شابية على جبل الصفا من كل ناحية تفترش قمته وأكتافه ، وظهره ، وسفحه الشمالي والجنوبي ووسطه، وما يحيط بموضع ابتداء السعي منه فغطت معالمه ومنحدراته التي تعلوها في الجبل أصلاً صخور جبل أبي قبيس التي استعصى كثير منها على التسهيل لبناء الناس عليها يوم ذاك.