54جبل لعلع: هو الجبل الذي بسفحه المروة، وعلى سطحه محلة القرارة وشارع الفلق، وأول محلة النقاء، وجبل لعلع: هو جزء من سفح جبل قعيقعان كأنف له كجبل الصفا لجبل أبي قبيس...». 1
هذه التعريفات ( للصفا والمروة ) تفيد أنهما جبلان ، أما جبل الصفا فممتد إلى جبل أبي قيس ويقع جبل الصفا في سفحه، وجبل المروة ممتد إلى جبل ( لعلع)، ويقع في سفحه، وكل جبل له قاعدة من العرض تمتد على جميع جهاته ، وما ظهر على وجه الأرض أصغر مما اختفى منه تحت الأرض ، وقد علتهما المساكن في أجزاء كبيرة منهما من قديم الزمن ، يشهد لهذا ما ذكره العلامة مرتضى الزبيدي أنه بنى على جبل الصفا داراً فيحاء .
يدرك هذه الحقيقة كل من شاهد هذين المشعرين قبل أن تمتد إليهما يد التغيير قبل التوسعة السعودية للحرم المكي قبل عام 1375ه، وتخطيط الشوارع من جهتهما .
استوجبت التوسعة السعودية للحرم الشريف ، وإعادة تخطيط ما حوله من شوارع إلى تكسير الكثير من أجزاء الجبلين : الصفا والمروة تمهيداً لتسوية سطحهما بالأرض، واتساع الشوارع من حولهما، وقد أبرز هذه الحقائق العلامة المؤرخ فضيلة الشيخ محمد طاهر كردي الخطاط في العبارة التالية:
«ومما يشبه ما ذكره الإمام القطبي في تاريخه عن ما أخذ من أرض المسعى وأدخل في المسجد الحرام ما أحدث في زماننا في التوسعة السعودية للمسجد الحرام ، وتكسير شيء من جبل الصفا إلى جبل المروة زيادة في عرض المسعى، وليكون منظره جميلاً في رأي العين وذلك في سنة 1377هجرية ...» 2
أيد هذه الحقائق التي كانت مشاهدة للعيان، وعاصرها شيوخ الحاضر ، وأدلى بها الشهود الثقات من أعيان مكة وكبارها ، من الذين كانوا يقطنون تلك المنطقتين ، والمعاصرين الذين عاشوها منذ صباهم ووثقت شهادتهم المحكمة الشرعية الكبرى بمكة المكرمة ،تؤيد الخرائط والصور القديمة قبل أعمال التوسعة السعودية ما أدلى به أولئك الشهود العدول قبل التغييرات التي طرأت على منطقة ما حول الحرم المكي الشريف .
تميزت العمارة السعودية فيما يخص جبل الصفا، بقطعه عن أصله جبل أبي قبيس، وأبقت على بعض الصخرات في نهايته، علامة على موضع المشعر، وكذلك بالنسبة لجبل المروة، بيد أن وجود مستويين للحرم الشريف في جهة المروة أُحدث له مدخلان: مدخل أعلى للدور الأعلى وهو مساو لارتفاع جبل المروة في اتجاه الصاعد إلى القرارة، ومدخل أسفل بقي لاتصال المروة المشعر بأصله جبل قعيقعان واضحاً مؤدياً إلى المدعى وقد نال حظه من القطع والتكسير، والاختزال من جانبيه الشرقي والغربي، وأعلاه.
النصوص الفقهية فيما يخص حدود المسعى
تمثل النصوص الفقهية حقيقة قضية البحث :( المشكلة : وهي مدى امتداد جبلي الصفا والمروة عرضاً في الساحة الشرقية للحرم الشريف) وصحة السعي في الإضافة الجديدة ،مما يراد إثباته في هذا البحث.
الصفا والمروة في التراث الإسلامي (جبلان) ،والجبل معناه في اللغة العربية « اسم لكل وتد من أوتاد الأرض إذا عظم وطال من الأعلام والأطواد والشناخيب ، وأما ماصغر وانفرد فهو من القنان والقور، والأكم ، والجمع أجبل ، وأجبال، وجبال» 3.
تتضح حقيقة ( الصفا، والمروة) هل هما جبلان، أو أكمتان، أو مرتفعان من النصوص التالية:
جاء في كتاب القرى لقاصد أم القرى للحافظ أبي العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر محب الدين الطبري المكي(615- 694ه- ) (في الباب السادس عشر في السعي 1 ما جاء في سبب شرعية السعي):
«ثم نظرت[ هاجر] إلى المروة فقالت لو مشيت بين هذين الجبلين، تعللت حتى يموت الصبي فمشت بينهما ثلاث مرات، أو أربع مرات، لا تجيز بطن الوادي إلا رملاً ، ثم رجعت إلى ابنها فوجدته ينشغ فعادت إلى الصفا، ثم مشت إلى المروة حتى كان مشيها سبع مرات...» 4
جاء في كتاب تفسير التحرير والتنوير للعلامة سماحة الأستاذ الإمام محمد الطاهر بن عاشور:
«والصفا والمروة اسمان لجبلين متقابلين ، فأما الصفا : فهو رأس نهاية جبل أبي قبيس ، وأما المروة فرأس هو منتهى جبل قعيقعان...» 5
تنص كتب الفقه في جميع المذاهب على أن من واجبات السعي استيفاء المسافة بين جبلي الصفا والمروة، ويتعرضون أحياناً إلى تحديد المسافة الطولية دون العرضية، وهذا يوضح أن مناط الحكم، ومتعلقه في استيفاء المسافة الطولية هو أداء شعيرة السعي بين جبلي الصفا والمروة بصرف النظر عن السعة العرضية مادام يصدق على الساعي أنه أدى شعيرة السعي بين الجبلين المذكورين، وفي حدودهما، ومن ثم يحكم بالصحة على السعي إذا أكمل الحاج، أو المعتمر الشعيرة بتلك المسافة حسبما قررها علماء المناسك، أو عدم الصحة إذا لم يستوف تلك المسافة بين الجبلين المذكورين . فالواجب على الساعي كما هي نصوص كافة الفقهاء تحري كمال المسافة الطولية بين جبلي الصفا والمروة لا غير، وندر من نوه من الفقهاء عن المساحة العرضية، وإذا ذكر الانحراف في بعض نصوص الشافعية، أو غيرهم فإنما يتحقق بالخروج عن عرض الجبلين الصفا والمروة، ذلك لأنه لم يذكر أحد من الفقهاء نصاً، أو أثراً (فيما أحاط به العلم) يحدد عرض المسعى، وما ورد ذكره هو تقرير للواقع ليس إلا، وليس