34فقال (ص) : « إنّ من أشراط الساعة إضاعة الصلوات و اتّباع الشهوات، و الميل إلى الأهواء، و تعظيم أصحاب المال، و بيع الدين بالدنيا، فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يُذاب الملح في الماء ممّا يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيّره».
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟!
قال: «إي والّذي نفسي بيده يا سلمان! إنّ عندها يليهم أُمراء جَوَرَة و وزراء فسقة، و عرفاء ظلمة، و أُمناء خونة».
فقال سلمان: و إنّ هذا لكائن يا رسول الله؟!
قال (ص) :« إي و الذي نفسي بيده يا سلمان! إنّ عندها يكون المنكر معروفاً، و المعروف منكراً، و يؤتمن الخائن، و يخوّن الأمين، و يصدَّق الكاذب، و يكذَّب الصادق.. . إلى آخر الخطبة الشريفة» 1.
7- خطبته(ص) في غدير خُم
بعد أن أتم رسول الله(ص) و المسلمون حجّهم و قضوا مناسكهم خرجوا من مكة المكرمة في ضحى اليوم الرابع عشر من ذي الحجة الحرام متوجّهين إلى المدينة المنوّرة، و كان موكب الرسول(ص) يسير نحو المدينة منزلاً بعد منزل و مرحلة بعد مرحلة، حتّى مضى اليوم الخامس عشر و السادس عشر و السابع عشر، و في ضحى اليوم الثامن عشر و حينما بلغ الموكب الشريف قريباً من الجحفة بغدير خمّ و قد ابتعد 185 كيلومتراً عن مكة، و قبل تفرّق الحجاج في مسيرهم و ذهابهم إلى أوطانهم، نادى منادي الرسول(ص) : الصلاة جامعة.
فارتجّ الحجاج من هذا النداء، إذ لم تكن هذه الساعة زمان نزول، و لم يكن هذا المكان منزلاً و موقفاً للاستراحة، فتوقّف الموكب، فلحق من كان في آخر القافلة، ورجع من كان في مقدّمها، فاجتمعوا في الحرّ الشديد ليسمعوا الخبر الهامّ، حتّى وضع كثير منهم رداءه على رأسه من شدّة حرارة الشمس، ووضع البعض رداءه تحت قدميه اتّقاءً لِلَهيب الرمضاء.
فصلّى رسول الله(ص) بالمسلمين صلاة الظهر، ثمّ صنعوا من أقتاب الإبل منبراً رفيعاً لرسول الله(ص) ، فصار الأُلوف من البشر آذاناً صاغية لكلامه(ص) ليسمعوا و ليعوا كلام خطيب الله تعالى، فرقى المنبر و فتح فمه الطيّب و تكلّم بكلام بلّغ فيه المسلمين ما أمره الله تعالى بتبليغه.
و نحن نورد الخطبة الشريفة عن كتاب المناقب لابن المغازلي الشافعي بسند ذكره، فقال رسول الله(ص) :
الحمد لله نحمده و نستعينه، و نؤمن به و نتوكّل عليه، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن أضلّ، و لا مضلّ لمن هدى، و أشهد أن لا إله إلاّ الله، و أنّ محمّداً عبده و رسوله.
أمّا بعد أيّها الناس! فإنّه لم يكن لنبيّ من العمر إلاّ نصف من 2 عمّر من قبله، و إنّ عيسى بن مريم(ع) لبث في قومه أربعين سنة، وإنّي قد أسرعت في العشرين، ألا وإنّي يوشك أن أُفارقكم، ألا وإنّي مسؤول و أنتم مسؤولون، فهل بلّغتكم؟ فماذا أنتم قائلون؟
فقام من كلّ ناحية من القوم مجيب يقولون: نشهد أنّك عبدالله و رسوله، قد بلّغت رسالته، و جاهدت في سبيله، و صدعت بأمره، و عبدته حتّى أتاك اليقين، جزاك الله عنّا خير ما جزى نبيّاً عن أمّته.
فقال:«ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ وحده لاشريك له، و أنّ محمّداً عبده و رسوله، و أنّ الجنّة حقّ، و أنّ النار حقّ، و تؤمنون بالكتاب كلّه؟ قالوا: بلى، قال: فإنّي أشهد أن قد صدقتكم و صدّقتموني، ألا و إنّي فرطكم و إنّكم تبعي، توشكون أن تردوا عليَّ الحوض، فأسألكم حين تلقونني عن ثقليَّ كيف خلفتموني فيهما»؟
قال: فأُعيل علينا 3 ما ندري ما الثقلان، حتّى قام رجل من المهاجرين و قال: بأبي و امّي أنت يا نبيّ الله ما الثقلان؟
قال(ص) : «الأكبر منهما كتاب الله تعالى، سبب طرفه بيدالله و طرف بأيديكم، فتمسّكوا به، ولا تضلّوا، و الأصغر منهما عترتي . من استقبل قبلتي و أجاب دعوتي، فلا تقتلوهم و لا تقهروهم و لا تقصروا عنهم، فإنّي قد سألت لهم اللطيف الخبير فأعطاني، ناصرهما لي ناصر، وخاذلهما لي خاذل، ووليّهما لي وليُّ، وعدوّهما لي عدوٌّ.
ألا و إنّها لم تهلك أُمّة قبلكم حتّى تتديّن بأهوائها، و تظاهر على نبوّتها، و تقتل من قام بالقسط، ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب(ع) فرفعها ثمّ قال: مَنْ كنتُ مولاه فهذا مولاه، و مَنْ كنتُ و ليّهُ فهذا و ليّهُ، اللّهمَّ والِ من والاهُ، وعادِ مَنْ عاداهُ» . قالها ثلاثاً 4.
ثمّ توّج رسول الله(ص) عليّاً(ع) بعمامته «السحاب» أمام جموع حاشدة من المؤمنين بيده الشريفة، فسدل طرفها على منكبه، و أمر المهاجرين و الأنصار أن يسلِّموا على عليّ(ع) بإمرة المؤمنين ويهنّئونه بهذه الفضيلة العظيمة . فسلّم وجوه المسلمين 5 عليه بإمرة المؤمنين و هنّأوه 6.
ومن يراجع أغلب المصادر التاريخية و كتب الحديث يجد أنّ هذه الخطبة قد احتلّت العديد من الصفحات، و أبرزوا و جوهها المختلفة، و من هؤلاء الطبري الّذي ألّف كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خمّ في مجلّدين ضخمين. 7