40فالجبل أو التلّ الذي له وحدة - ولو عرفاً - لا يمنع حصول تغيّر فيه بالزيادة مثلاً عن صدق عنوانه اللغوي الخاصّ كعنوان صفا كما لا يمنع عن صدق عنوانه اللغوي العام، أعني عنوان الجبل؛ فإذا ضمّ إلى صفا مثله في المقدار والطول عدّ عرفاً صفا كما يعدّ عرفاً - بل عقلاً - جبلاً واحداً. نعم، هذا الجبل الواحد كان سابقاً أصغر ممّا صار إليه لاحقاً، فكما أنّ عنوان الجبل يصدق بتغيّره بزيادة لصدق المفهوم العام للجبل بعد التغيير، إذ لم يكن صدق الجبل عليه قديماً لحدّه الخاصّ فكذا يصدق عليه عنوان صفا؛ بحيث لو نشر بعض أصحاب النبيّ(ص) والأئمّة(عليهم السلام) لقالوا إنّ صفا صار أكبر ممّا كان عليه في عصرهم لا أنّه ليس هذا صفا؛ نظير ما إذا فرض تغيّر صفا بالزيادة بصورة طبيعيّة لا بصنع البشر كما لو أثّر زلزال في زيادة الجبل ونتوئه أكثر ممّا كان عليه.
فلاحظ حال نفسك لو كان في بلدك جبل اسمه كذا ثمّ رأيته بعد سنة وقد تغيّر - ولا سيما بصورة طبيعيّة - فكبُر أو طال أو عظم فهل تشكّ في صدق الاسم القديم عليه، أو تحتاج في التعبير عنه بالإسم السابق إلى وضع جديد؟ أو ترى أنّ الصدق بعد التغيّر يكون بعناية؟
وهذا نظير أسماء البلدان؛ فإنّ اختلاف البلد صغراً وكبراً في زمانين لا يمنع من صدق اسم واحد عليه في الحالين؛ وكون الحالين من قبيل اختلاف المصداق لمفهوم واحد؛ فهو بلد كان صغيراً فصار وسيعاً وكبيراً؛ وهي بلدة مكّة كانت في حدّ فصارت في حدٍّ آخر وهي بلدة المدينة أو كربلاء وغيرهما كانت في مقدار وانتهى حدّها إلى غيره، ونظيره أيضاً توسيع دار أو بيت أو شارع أو نهر أو وادي.
وبالجملة: لا فرق بين أسماء البلدان وأسماء الجبال ونحوها، ولا ينبغي الشكّ في أنّ صدق مكّة على البلدة الجديدة ليس بوضع جديد بل هو بعين الوضع القديم، غايته أنّه لمّا لم تكن البيوت الجديدة مبنيّة قديماً لم يصدق الاسم على المواضع الجديدة، وبعد البناء صدقه يكون بعين الوضع القديم حيث لم يكن وضع الإسم لخصوص الأبنية القديمة بخصوصها بل باعتبار عنوان البلد المقتضي لصدق ذاك الإسم بوضعه القديم مهما اتّسع البلد.
بل لو انعكس الأمر وتحوّلت بعض البيوت إلى صحراء زال الإسم القديم؛ ولا يكون صدق الإسم قديماً كافياً في اندراج تلك البقعة في العنوان فيما كان موضوعاً لحكم؛ فما دلَّ على وجوب الإحرام من مكّة لا يقتضي جواز الإحرام من مواضع بيوت مكّة القديمة إذا لم تكن تلك المواضع مبنيّة ومسمّاة باسم بلدة مكّة فعلاً.
كذلك لا ينبغي الشكّ في أنّ صدق صفا والمروة ونحوهما على الشعيرتين بهيئتهما الفعليّة - وإن كانت مختلفة عن هيئتهما القديمة - يكون باللغة والوضع القديم المعاصر للنصوص.
إذن فالإحساس بالمفاهيم والأوضاع اللغويّة يشهد بصدق العناوين الخاصّة من صفا والمسجد الحرام والمسجد النبويّ وبلدة مكّة وغيرها من البلدان ونحوها من العناوين، مع حدوث تغييرات بالزيادة.
لا بمعنى مناسبات العناوين للصدق على الموجود بالحالة الجديدة ليكون من قبيل الوضع الجديد المناسب للوضع القديم بحيث لو كان أهل اللغة القدماء أيضاً حضوراً لفعلوا ذلك ووضعوا تلك الألفاظ لما فعله المتأخّرون؛ بل بمعنى صدق العناوين بما لها من المفاهيم على الموجود القديم بما له من الحالة الجديدة، نظير صدق العناوين على المصاديق الحديثة كصدق السفر على السفر بالوسائط الحديثة؛ وإن افترق عنه في كون المصداق في المقام هو المصداق القديم بما له من الحالة الجديدة وليس مصداقاً جديداً مبايناً للمصداق القديم. ففرق بين صفا إذا زيدَ فيه وبين السفر إذا اختلف عن الأسفار القديمة، ومع ذلك فصدق اللّفظ في المقامين بمناط واحد وباعتبار مفهوم جامع بين المصداقين هناك وبين الحالتين في المقام.
وبما ذكرنا يظهر حكم تعريض الوديان كوادي منى ومحسّر بنحت الجبال والأخذ منها ما دام يصدق الوادي، فإنّ اللغوي القديم لو حضر الحالة الجديدة للوادي والسعة الحديثة لعبّر عن ذلك بنفس العنوان القديم كوادي منى ويعتبر الحالة الحادثة حالة لنفس الوادي لا وجوداً لواد جديد. هذا كلّه من حيث صدق العناوين كعنوان صفا والمروة ووادي منى والمسجد الحرام وما شاكل ذلك.
وأمّا البحث من حيث شمول الحكم المعلّق على تلك العناوين فالذي تقتضيه القاعدة - وإن كانت المسألة بحاجة إلى مزيد تأمل ومراجعة - هو أنّ ما كان مثل الوادي والجبل بعنوانه الخاصّ كمنى وصفا موضوعاً أو قيداً لمتعلّق الحكم كان إطلاق الدليل شاملاً لحالته الجديدة ما دام أنّ هذه الحالة لا تنافي صدق العنوان؛ بل تكون - كما تقدّم - نظير المصداق الجديد للمفاهيم، وحالة جديدة لنفس المفهوم.
فكما أنّ الدليل يعمّ الحالات الطارئة الاُخرى ككون منى مبنيّاً أو مضروباً فيه الخباء أو مستعملاً فيه الكهرباء وغير ذلك من الأحداث؛ كذلك يعمّ حالة التوسعة المفروضة. وكذا الكلام في مثل صفا والمروة.
هذا كلّه إذا كانت القضايا حقيقيّة، كما هو مقتضى الأصل.
وأمّا إذا كانت مشيرة فيمكن قصورها عن الحالات الجديدة، لاحتمال اختصاص الحكم بوادي منى في حالته القديمة وكذلك المسعى في هيئته السابقة. ولكنه خلاف الأصل.
ومثله الكلام في عناوين المساجد الخاصّة وغيرها من الأماكن.
ويؤكّد ما ذكرناه من سعة الحكم بسعة المساجد ما روي في طرق أهل السنّة عن أبي هريرة وعمر.
فعن تاريخ المدينة أنّ عمر لمّا فرغ من الزيادة في مسجد النبيّ(ص) قال: لو انتهى إلى الجبّانة لكان مسجد رسول الله(ص).