34إن المعجزة إنّما تثبت صدق صاحبها إذا كان التأثير في الكون ثابتاً عبر العلل والضوابط، وإلّا فلو أمكن الهرج فلا يمكن الاستناد إلى المعجزة في صدق صاحبها بعد احتمال صدور ما يسمّى بالمعجزة بدون ضابط وقاعدة.
إذن، فإنكار الإعجاز لا يستند إلى إثبات قاعدة العلّة، بل هو مستند إلى دعوى انحصار العلّة في العلل المأنوسة وهذا غير قاعدة العلّة. وربّما كان تفسيراً لها ولكنّه تفسير باطل. وكأن هذا التفسير هو مقصود الكفّار في قضيّة ولادة المسيح عليه السلام، حيث إن العلّة المتعارفة لتوليد النسل هو الولادة من الأب، فردّ عليهم في القرآن الكريم: «إِنَّ مَثَلَ عِيسىٰ عِنْدَ اللّٰهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ قٰالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» 1وكأنّه على التفسير الموهوم المتقدّم لقانون العلّة أنكر الكفّارُ المعادَ حيث ذكروا أنّه: «أَ إِذٰا كُنّٰا عِظٰاماً وَ رُفٰاتاً أَ إِنّٰا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً» ولم يكن ذلك بدعاً منهم «بَلْ قٰالُوا مِثْلَ مٰا قٰالَ اْلأَوَّلُونَ قٰالُوا أَ إِذٰا مِتْنٰا وَ كُنّٰا تُرٰاباً وَ عِظٰاماً أَ إِنّٰا لَمَبْعُوثُونَ * لَقَدْ وُعِدْنٰا نَحْنُ وَ آبٰاؤُنٰا هٰذٰا مِنْ قَبْلُ إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ أَسٰاطِيرُ اْلأَوَّلِينَ» 2.
وقد ردّ عليهم بوجوه:
الوجه الأوّل: عدم انحصار قانون العلّة في خصوص العلل المأنوسة ليستلزم إنكار المعاد.
الوجه الثاني: تعدد نظام العلل المأنوسة في الحياة المادّية، ولهذا قيس المعاد والحياة الأخرى على الحياة النباتيّة التي تختلف عن الحياة الحيوانية.
قال تعالى: «فَانْظُرْ إِلىٰ آثٰارِ رَحْمَتِ اللّٰهِ كَيْفَ يُحْيِ اْلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا إِنَّ ذٰلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتىٰ وَ هُوَ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» 3.
« وَ اللّٰهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيٰاحَ فَتُثِيرُ سَحٰاباً فَسُقْنٰاهُ إِلىٰ بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنٰا بِهِ