33فنقول: الإعجاز من الحوادث والوجودات الممكنة فلا مناص له من الاندراج في القانون المتقدم، وبالنتيجة لا يجوز وقوع الإعجاز بدون علّة. ولم يدّع أصحاب المعاجز ولا المعترفون لهم بها أن المعجزات تصدر بلا علّة، وإنّما الذي يدعى هو:
اختلاف علّة المعاجز عن ساير العلل وأن علّة المعجزة في انحصار وليس في يد عامّة الناس.
فالمعجزة توسعة لموضوع قاعدة العلّة وقانونها، لا توسعة للحكم بدون موضوع. وليس هناك في العقل ما يحصر العلّة في خصوص شيء. بل وجود علل متعددة لحادث واحد في الكون دليل واضح على عدم لزوم انحصار العلّة في شيء واحد.
فإذا وجدت علل متعددة كونية عامّة لبعض الأحداث، فما المانع من وجود علّة أو علل كونيّة خاصّة لذلك الحادث؟ ولا ضرورة لكون العلل بأسرها في يد عامة الناس، فالحرارة لها علّة ينالها الناس هي النار ولها علّة خارجة عن منالهم هي الشمس. وتوليد الأمثال في الإنسان بصورة وفي النبات بصورة اُخرى وفي بدء الخلق كان بصورة غير دوامه.
والصعود لبعض الأشياء بالسلالم ولبعضها بالطيران ولبعضها بالطفرة ولا مانع أن يكون لبعض بإرادة.
فاتضح أن المعجزة لا تخرق قانون العلّة وإنّما توسّع موضوعها.
وما في بعض الكلمات من أن الواحد لا يصدر إلّامن واحد، يراد بذلك أنّه لابد من مسانخة بين المعلول والعلّة، وتكون جهة مشتركة بين العلل المختلفة لتأثيرها في معلول واحد، ولا يراد بذلك عدم إمكان صدور واحد من أشياء متعددة مختلفة بالصورة.
ثم إنه لو فرض إمكان التخلّف في المعاجز عن قانون العلّة لم تفعل المعجزة أثرها المطلوب، فإن المعجزة لا تؤثر في إثبات الدعوىٰ إلّاإذا انضم إليها قانون العلّة، وتوضيح ذلك: