15تحتاجها تلك الأمانة السماوية ومسيرتها وتبليغها وأيضاً قيادة الأمة، فبدون هذه الخصائص لا يمكن لأيأمة أن تحمل أمانة أو تتحمل مسؤولية حتى سادوا الدنيا بأخلاقهم قبل سيوفهم. . وهو ما جاء به رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله وطالما افتخر واعتز صلى الله عليه و آله بمشاركته في تعزيز كل مبادئ الحق وإقرار مكارم الأخلاق، فقد شهد صلى الله عليه و آله حلف الفضول وكان عمره عشرين سنة، لأنّه رأى فيه قيماً ومبادئ سامية. . ويأتي الحجر الأسود وقصته عند تجديد بناء الكعبة، وكان ذلك قبل البعثة بخمس سنين؛ ليكون علامة مضيئة على حبّ هذه الأمّة للصدق والأمانة رغم ما تتصف به من فساد أخلاقي، ويكشف عما وصل إليه النبي صلى الله عليه و آله من منزلة عظيمة بين قومه، فقد اختلفت قريش فيمن يستأثر بشرف وضع الحجر الأسود في مكانه فاتفقوا - بعد أن كاد السيف يقع بينهم فيدميهم ويمزقهم - على تحكيم أول داخل من بني شيبة، فدخل رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله وعمره 35 سنة، فلما دخل هتفوا جميعاً: إنه محمد بن عبداللّٰه. . إنه الصادق الأمين. وبصوت واحد: هذا الأمين قبلناه حكماً بيننا. . هذا الصادق رضينا بحكمه. . فأمر بثوب فأخذ الحجر ووضعه في وسطه، و أمرهم جميعاً برفعه، ثم أخذه بيده الشريفة فوضعه مكانه، فحقن بهذا الدماء من أن تراق وحفظ الأرواح من أن تزهق، ووحّد بهذا صفهم وأشعرهم بقيمة وحدتهم!
الاختيار والبشرى!
وفعلاً تحققت البشرى ووقع اختيار السماء لهذه الأمة أن تكون حاضنةً للنبوة والرسالة الخاتمة والإمامة، فغدت الأمة المختارة. . وغدا محمد بن عبد اللّٰه صلى الله عليه و آله النبي المصطفى والرسول الخاتم والإمام المختار. .
لقد أرسلت السماء محمداً صلى الله عليه و آله رسولاً ونبياً وهادياً ومرشداً وموحداً لمثل هؤلاء العرب ولمثل تلك الأمة، ليعلمهم معنى الحياة وتطورها على كل الأصعدة المعنوية والنفسية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية. . وليبث فيهم الحياة الجميلة التي ترتضيها لهم السماء. . الحياة الخالية من الكراهية، المليئة بالحب. .