16البعيدة عن الرذيلة والفرقة والنزاع والتسلّط والظلم. .
وأوجد فيهم منابع للتسامح والمحبة والصبر والتحمل وكظم الغيظ حتى وهم يخوضون غمار الحرب، وراح يبث فيهم تعاليم صارمة ترفض وتشجب الفساد والإتلاف ونقض المواثيق والعهود، وتدعو إلى عدم انتهاك الحرمات وعدم التمثيل بالقتلى، وعدم قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وعدم قطع النخل والشجر أو حرقه، وعدم تهديم الدير والكنائس، وعدم التعرض للرهبان و المشغولين بالعبادة. ولم يلجأ صلى الله عليه و آله إلى القتال إلا اضطراراً، ولم يتجاوز عدد القتلى بضع مئات. . .
كما راح يعلّمهم ويدربهم على ضبط النفس وقوة الانضباط إلى درجة جعلهم يقيمون الصلاة في ساحات الوغى و القتال ليتعلموا الصبر والالتزام والطاعة وليتزوّدوا السمو والرفعة والتعالي على الأذى والجراح والقروح التي يتعرضون لها حتى وسط غبار العواصف والقتال. . لقد أمرهم في تلك الأوقات العصيبة بالصلاة للّٰه تعالى جماعةً لا فرادى، وكلما حان وقت الصلاة وهو يحين خمس مرات في كل يوم يجب ألا تترك أو تؤجل صلاة الجماعة، فينبغي أن تصلي طائفة فتركع وتسجد بين يدي ربها بينما تشتبك الأخرى مع العدو، فإذا قضيت الصلاة فينبغي أن تغيّر كلتا الطائفتين موقعهما:
«وَ إِذٰا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاٰةَ فَلْتَقُمْ طٰائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذٰا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرٰائِكُمْ وَ لْتَأْتِ طٰائِفَةٌ أُخْرىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ. . .» 1.
إن في سيرته صلى الله عليه و آله الكثير الكثير من الأمثلة السامية نجدها واضحةً في حياته الكريمة، وهنا نقف عند شيء منها، ففي معاملته صلى الله عليه و آله لألدّ أعدائه؛ نجده وهو في أوج قوّته عند فتح مكة، قريته التي آذاه أهلها واضطهدوه وقاطعوه وعذبوا أنصاره