64ثم ذكر من جملة الموانع لتغيير المقام أنه استقرّ المقام في هذا الموضع قرابة أربعة عشر قرناً ، ولا شك أن الحجاج كثروا في بعض السنين وازدحموا في المطاف ، ومع ذلك لم يخطر ببال أحد تأخير المقام ، ولو كان جائزاً لما غفل عنه الناس طول هذه المدّة مع وجود الكثرة والزحام في كثير من الأعوام . ولا أقل من استحباب اختصاص المقام بموضعه الفعلي .
وردّ عليه بأنّه بعد تحقق علة تأخير الصحابة للمقام عن موضعه الأصلي وأنه تهيئة المسجد للطائفين والمصلين خلف المقام الذي هو مأمور به فإعراض مَنْ بيننا وبين الصحابة عن تأخير المقام مرّة ثانية محمول على أنه لعدم تحقق العلّة؛ كما أن إعراض النبيّ صلى الله عليه و آله عن تأخير المقام في زمانه لعدم تحقق العلّة في عهده ، لم يمنع الصحابة من التأخير عند تحقق العلّة بعده؛ فكذلك هذا .
مع أنه لم يكن عدم تأخير المقام بعد الصحابة على مرّ القرون إجماعاً صحيحاً يمنع من العمل بما يأمر به القرآن أو أجمع عليه الصحابة .
ثم لخّص رسالته بأن: الآيتين المصدّرتين في رسالته - وغيرهما من الأدلة - تأمر بتهيئة ما حول البيت للطائفين - مبدوءاً بهم - وللعاكفين والمصلّين؛ وأن المراد من التهيئة لهذه الفرق تمكينها من أداء تلك العبادات على وجهها بدون خلل ولا حرج؛ وأن هذه التهيئة تختلف باختلاف قلّة تلك الفرق وكثرتها ، وقد كثر الحجاج والعمّار في عصرنا كثرةً لا عهد بها وينتظر استمرارها وأصبح المطاف - يعني ما بين البيت والمقام بموضعه الفعلي - يضيق بالطائفين في موسم الحج ضيقاً شديداً ، يؤدي إلى الحرج والخلل ، إذن لا تتم التهيئة المأمور بها إلا بتأخير المقام . وإن الحكم المتعلق بالمقام - وهو الصلاة إليه - لو كان يختص بموضع لكان هو موضعه الأصلي الذي انتهىٰ إليه إبراهيم في قيامه عليه لبناء الكعبة وقام عليه فيه للأذان بالحج ونزلت الآية : «وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى » وهو فيه وصلّى عليه النبي صلى الله عليه و آله مراراً تلا في بعضها الآية وهو فيه؛ ومع ذلك فلمّا أجمع الصحابة على تأخيره