63الفصل الخامس : علّة تحويل عمر المقام من موضعه الأصلي هو علم عمر بأن أئمة المسلمين مأمورون بتهيئة ما حول البيت للطائفين والعاكفين والمصلّين ، ليتمكّنوا من أداء عبادتهم على الوجه المطلوب بدون خلل ولا حرج؛ وعلم أن المسلمين كثروا وينتظر أن يزدادوا كثرةً فلم تبق التهيئة التي كانت كافية قبل ذلك كافية في عهده ؛ ورأى عمر أن عليه أن يجعلها كافية؛ فإن كان ذلك لا يتمّ إلّا بتغيير يتم به المقصود الشرعي ولا يفوت به مقصود شرعي آخر فقد علم أن الشريعة تقتضي مثل هذا التغيير؛ فليس ذلك بمخالفة للنبي صلى الله عليه و آله بل هو عين الموافقة؛ وشواهد هذا كثيرة وأمثلته من عمل عمر وغيره من أئمة الصحابة معروفة 1.
ثم ذكر من جملة الموانع لتغيير المقام فعلاً أن ذلك مما تنكره قلوب الناس فينبغي اجتنابه؛ كما روى أن النبي صلى الله عليه و آله قال لعائشة أن قومها أو قريشاً اقتصروا في بناء الكعبة عن قواعدها التي بنى عليها إبراهيم - يعني أن الكعبة قواعدها أوسع ممّا بنتها قريش - فقالت له :«ألا تردّها على قواعد إبراهيم؟ قال : لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت . وفي أخرىٰ : لولا أن قومك حديث عهدهم بجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم».
ثم ردّ على هذا المانع بأنه لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه و آله حاجة في تأخير المقام ، كما لم يكن ضرورة في ردّ بناء الكعبة إلى قواعدها الأصلية ، بخلاف وضع المقام في هذا اليوم .
مضافاً إلى أنه إذا ظهرت مصلحة تغيير المقام انقلب الإنكار رضا وشكراً .
مع أن المقام نفسه اخّر في صدر الإسلام عن موضعه الأصلي - يعني بفعل عمر كما اختاره أو بفعل غيره - ولم يلتفت إلى احتمال إنكار القلوب له .