58الموضع الذي هو عليه .
ومراده من القرب من الكعبة ليس هو القرب بلحاظ الموضع الفعلي؛ بل يعني أن لا يبعد من الكعبة بُعداً مفرطاً ، كجعله قريباً من المسعىٰ في المسجد . واستنتاجه لهذه الحصيلة عبر مقدمة وفُصول نلخصها فيما يلي :
ذكر في المقدّمة قوله تعالى : «وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى وَ عَهِدْنٰا إِلىٰ إِبْرٰاهِيمَ وَ إِسْمٰاعِيلَ أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ الْعٰاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ» 1، وقوله تعالى : «وَ إِذْ بَوَّأْنٰا لِإِبْرٰاهِيمَ مَكٰانَ الْبَيْتِ أَنْ لاٰ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ الْقٰائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ» 2. ثم ذكر أنه فسّر التطهير فى الآيتين بالتطهير من الشرك والأوثان ، وأن هذا من باب ذكر الأهم ، وإلّا فالمأمور به أعم من ذلك ، مستشهداً ببعض الاستظهارات من السلف .
ثم ذكر أن ذكر العلّة والغاية من الأمر بالتطهير يبيّن أن التطهير المأمور به لا يخصّ الكعبة بل يعمّ ما حواليها ، حيث تؤدى هذه العبادات من الطواف وغيره هناك . ثم ذكر أن في معنى التطهير إزالة كل ما يمنع من هذه العبادات ويعسّرها أو يخلّ بها ، كأن يكون في موضع الطواف ما يعوق عنه من حجارة أو شوك أو حُفَر ، فالمأمور به تهيئة المسجد لما يتّسع لهذه العبادات مع اليسر .
ثم لما كان المسلمون قليلين في عهد النبي صلى الله عليه و آله كان يكفيهم المسجد القديم؛ وكثرتهم في حجّة الوداع لم تكن منتظرة ولا متوقع استمرارها في السنوات التي تليها ، فلذا لم يوسّع المسجد في زمانه صلى الله عليه و آله بعد حجّة الوداع ، مع ما كانت بيوت قريش ملاصقةً للمسجد لا تمكن توسعته إلّا بهدمها؛ وهدمها ينفّرهم وعهدهم بالشرك قريب؛ ولمّا زال المانع في عهد عمر وسّع المسجد ، وهكذا من بعده من الخلفاء بحسب كثرة المسلمين في أزمنتهم؛ وكذا استمرّ إلى زمن ملك الحجاز .