150وإذا سارت الجمال ليلاً ، حمل قائد كل جمل ، ويسمّى عكّاماً ، فانوساً بيده؛ فيُرى لهم من بعيد صورة جميلة ، فيرى الرائي مصابيح تتقد في البر سائرةً صفّين ، ولا يرى غيرها . وخيام كل قافلة لها جمال مخصوصة وأناس مخصوصون يسمّون «المهاترة»يسبقون الحجّاج ، وينصبونها أول يوم على ترتيب خاص لا يتعدونه إلى آخر السفر ، وخيام كل قافلة في مكان مخصوص لا تتعداه ، هذه أولاً ، وتلك بعدها ، وهكذا . وكذلك كل خيمة لها مكان مخصوص لا تتعداه ؛ وخيام كل قافلة كأنها بلد بنفسها ، بأزقّتها وبيوتها ، لا تتغير ، فلو ضلّ إنسان في حال السير أو النزول ، يهتدي إلى مكانه بأيسر ما يكون ، حتى كأنّه في بلده .
وفي ذلك اليوم [يوم المسير من وادي فاطمة إلى عسفان] وقع كثير من الأباعر بأحمالها في أثناء الطريق ، ما يقرب من خمسين بعيراً ، بعضها قضى نحبه في الحال ، وتناولته شفار السودان الذين يسيرون مشاةً مع الحجاج ، فقطّعته إرباً إرباً ، وربّما كان ذلك قبل خروج روحه ؛ وبعضها سلم بعد وضع حمله على غيره ، ومداواته بالفصد في أنفه ، وصبّ الماء على سنامه وبدنه ، وذلك على ما قالوا بسبب سمنها واشتداد الحر ، مع أن الفصل شتاء ، ولكن من«البارخانة»التي نحن فيها ، لم يمت بعير واحد . ورأينا هلال المحرّم بعسفان ، ليلة السبت مفتتح 1322 . وفي عسفان بئر يسمى بئر التفلة ، يقال: إن النبي صلى الله عليه و آله تفل فيها فعذب ماؤها .
الخُليص وتعرّض بعض الحاج للسلب
قال السيد رحمه اللّٰه : وخرجنا صباحاً من عسفان ، قاصدين الخُليص ، بوزن المصغّر ؛ فوصلناها منتصف النهار ، وماؤها لا بأس به ، وفيها البطيخ الأخضر الجيد والقثاء والبصل واللحم وغير ذلك ، وفيها بعض النخل ، وهي مسكونة من الأعراب ، ثم سرنا منها صباحاً ، فثار بعض الأعراب على رجلين من أهل معرّة النعمان ، معهما بعير وأحدهما راكب عليه ، فجرحوا الماشي وأخذوا هميانه بما فيه من النقود وأخذوا الراكب وجمله ، فذهبوا به ، ولا يعلم رفيقه حي أم ميت ؛ رأيته