151يمشي في الطريق مضرّجاً بدمائه وقد ورم رأسه من الشمس ، حتى أخفى الورم عينيه . وهؤلاء الأعراب - كما قال لنا شيخ الفراشين حينما كنا في داره في المدينة المنورة وعنده بدوي - فقال مشيراً إليه : هذا وقومه يشتغلون في وقت الحج بسلب الحجاج ، فإذا انقضى الموسم اشتغلوا بالحرب والغارة بينهم ؛ لا شغل لهم إلا ذلك .
فوصلنا إلى الكَظيمة - بفتح الكاف - قبل الغروب بأربع ساعات ، وفيها بئر عظيمة وهي مسكونة من الأعراب ، يباع فيها التمر والبطيخ واللحم وغيرها ، وفيها من البنادق الدولية من كل جنس ، حتى إنني رأيت فيها بندقيةً إيرانية ؛ وفي مائها ملوحة ورحلنا منها ليلاً في الساعة الثامنة والنصف إلى رابغ ، وإنما مشوا ليلاً لبعد المنزل ، وخوف سقوط الأباعر من الحر ، كما جرى بين وادي فاطمة وعسفان؛ فوصلناها عند الغروب ، وهي الجحفة أو قريب منها .
وفي محلٍّ يبعد عنها بعض البعد مسجد غدير خم ، وهو مسجد بُني في الموضع الذي نصب فيه رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله علياً عليه السلام وصياً وخليفةً بعده ، فنزل في ذلك الموضع في حر الظهيرة ، وخطب الناس فقال : ألست أولى بكم من أنفسكم؟ فقالوا : بلى .
قال : من كنت مولاه ، فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه كيفما دار ، في حديث مشهور . وكان المسجد متهدّماً ، فبناه بعض ملوك الهند من الشيعة ، ولم يمكنّا الذهاب إليه لخوف الطريق .
ورابغ ميناء على شاطئ البحر الأحمر ، عامرة وماؤها شروب ، وفيها قلعة صغيرة بعيدة عن البلد ، يسكنها شرذمة من العسكر العثماني ، وحين وصول الحجاج رفعوا العلم العثماني ، وأطلقوا عدّة مدافع كما هي العادة ؛ لكن العداوة بينهم وبين أهل رابغ متأصّلة ، فلا يجسرون على الخروج إلى السوق أو لجلب الماء إذا كانوا دون العشرة . وفيها من البنادق الدولية المختلفة الأجناس ما لا يحصى عدده ، وهو أزيد مما في الكظيمة ، وكذلك أكثر بلاد الحجاز . وجملة من الحاج يشترون