152البنادق بثمن بخس ويخفونها في أمتعتهم خوفاً من التفتيش إذا دخلوا الشام . وفيها دهن البيلسان ، الذي تداوى به الجراح والرضوض ؛ يجنيه الأعراب من شجر هناك ، وقد اشترينا منه قنينةً ، فلما فتحناها وجدنا أكثرها ماءً؛ وشيئاً قليلاً من الدهن على وجه الماء ، فكأنّ هؤلاء الأعراب أخذوا على أنفسهم النهب في كل شيء .
وثارت فيها العواصف والعجاج الشديد ، وقد وصلناها عند الغروب ، فبقينا فيها تلك الليلة ، ويومها إلى ما بعد العصر ، ثم رحلنا منها إلى مكان ليس بمعدٍّ للنزول ، فسرنا نحواً من ست ساعات ، فوصلناه الساعة الرابعة ليلاً . وبعد الفجر رحلنا منه فوصلنا ضُحى إلى بئر الشيخ ، وكانت هي المنزل ، لكن خوف سقوط الأباعر من الحر ، منع من السير رأساً إليها من رابغ ، مع كون الفصل شتاءاً ، فسقوا الدواب من تلك البئر ، وفي أثناء الطريق آبار كثيرة ماؤها شروب . . .
ثم رحلنا إلى مكان ليس بمنزل ولا فيه ماء ، ثم رحلنا منه إلى المستورة ، ورحلنا ضحى من المستورة إلى بئر الحصان فوصلناها بعد المغرب ؛ وعند الفجر رحلنا منها إلى خلص ، ثم منها إلى بئر الدراويش ؛ فوجدنا ماءه قليلاً ، والذين تأخروا لم يستقوا شيئاً ، ومات بعض الحمير والأباعر تلك الليلة من العطش ، ثم رحلنا منها الساعة السادسة ليلاً إلى المدينة المنورة .
بعض صعوبات الطريق
ذكر السيد رحمه اللّٰه في الأعيان أموراً لم يذكرها عندما سرد هذه الرحلة في الجزء الثاني من معادن الجواهر ، لذا لزم إثباتها ، لأنّها تعكس بعض مصاعب السفر في تلك الفترة ، قال أعلى اللّٰه مقامه: و لما وصلنا إلى مكان يدعى المضيق ، وهو طريق ضيّق بين جبلين ، جاء الخبر إلى أمير الحاج عبد الرحمن باشا اليوسف الكردي بأن الأعراب وقفوا ببنادقهم على أعلى الجبلين ، فإذا مر الحاج تناولوه بالرصاص ، فلا يفلت منهم أحد .