139في الصباح ، نذرنا الإحرام قبل محاذاة الميقات ، تخلّصاً من الإشكال [معرفة محاذاة الميقات للإحرام وعدم تجاوزه] بناءً على ما هو الحقّ من جواز الإحرام قبل الميقات بالنذر . . . وتحدّث أعلى اللّٰه درجاته عن مسألة النذر للإحرام ، ثمّ تطرّق للكلام عن كيفيّة تعيين محل الوفاء من خلال الساعة؛ لعدم إمكان تشخيص الأماكن في البحر ، لذا لا يمكن الاعتماد على غير الوقت للدقّة ؛ لذلك قال رحمه اللّٰه :
وعيّنا مكان الإحرام حين النذر بالساعة ، على أننا إن بقينا إلى المكان الذي تكون فيه الساعة كذا نحرم من ذلك المكان ، فلما صارت تلك الساعة عقدنا الإحرام بالتلبية ، وبقينا مستحضرين للنية مكرّرين للتلبية حتى وصلنا المكان الذي قال الربان: إنه يحاذي الميقات ، وهو«الجحفة»القريبة من رابغ ، وآذن الربان بذلك بصفير المركب ، وتجاوزناه كثيراً ونحن نلبي مستحضرين للنية ، ولكن ظهر لنا بعد ذلك أنّ من يريد الاحتياط التام ، فلينذر الإحرام من السويس . . .
إجراءات الوقاية من الأمراض والأوبئة في ذلك الزمان
قال رحمه اللّٰه: ولما وصلنا جدّة ، نزلنا في سفينة أقلّتنا إلى جزيرة في البحر ، مسافة ساعة عن جدّة تقريباً ، لأجل تبخيرنا وتبخير الفراش والدثار فقط ، ليموت ما فيها من الميكروب ، خوفاً من سراية الأمراض الوبائية ، وذلك بسبب مرورنا على مصر ، مع أنها خالية من كل مرض وبائي ، وكل من يحضر من الديار المصرية يأخذ ورقة من إدارة الصحة بأنه سالم من كل مرض ، فيدفع رسماً عن ذلك ثلاثة قروش صحيحة وكسراً؛ فسرنا محرمين والبحر هائج ، والشمس تصهرنا ، والبحر يقذف علينا من مياهه ، حتى وصلنا الجزيرة بغاية المشقة ، فوجدنا السفن حولها مملوءةً بالحجاج ، والشمس على رؤوسهم ، ومنعوا الناس من دخول الجزيرة تحكّماً بلا فائدة مظنونة ولا موهومة ، إلى أن أخذوا الفراش ، ووضعوه في المبخرة ما يقرب من ثلاثة أرباع الساعة حتى دخل البخار في أعماقه ،ورشوه بالفينيك ، ثم أذنوا للركاب بدخول الجزيرة من باب مخصوص ، وأوقفوهم في مكان مخصوص ، ثم أمروهم بالخروج من باب آخر ، كأنهم قطيع غنم يصرفه الراعي كيف يشاء ، وهذه الجزيرة لا ماء فيه ولا كلأ ، فأضرّ العطش بهذا الجمع