140المحتشد . .وبعد هذا أعطوا ورقةً بأسماء الراكبين في السفينة ، ليأذن لهم أهل الميناء بدخول البلد .
الوصول إلى جدة
ثم سرنا من الجزيرة قاصدين جدّة في حرّ الظهيرة ، والأمواج تفيض على الوجوه والرؤوس والأبدان والأردية والأزر ، والسفينة تصعد تارةً وتهبط أخرى ، ونحن في خوف من الغرق لشدّة الأمواج ، ولولا الذهاب إلى الجزيرة لوصلنا الميناء بسهولة . . وعند الوصول إلى الميناء ، أخرجونا من السفينة وأدخلونا من باب ، ونحّوا السفينة إلى باب آخر ، وفيها الأمتعة مع الملاحين ، ثم أتوا بنا إلى شبّاك ، والمأمور داخل الشباك ، فقال إنسان : ادفعوا عن كل شخص نصف مجيدي ، فدفعنا؛ وأخذنا أوراقاً ، فمشوا بنا قليلاً وأخذوا الأوراق ، وقرضوها بمقراض ، ثم أتوا بنا إلى مكان قريب من هذا المكان ، وأخذوا جوازات السفر وقالوا : ادفعوا عن كل جواز غرشين وربعاً صحيحة ، فدفعنا ، وأعطوا كل واحد ورقة علامة على أنه دفع ما عليه ، ليأذن له البوّاب بالخروج ؛ فخرجنا ، ووجدنا السفينة واقفة ، فأخذنا منها الأمتعة ؛ وبسبب قلّة الركاب ، لم يسرق منها شيء ، ولكن لا تسل عن الذين جاءوا بعدنا عصراً ، ولم يصلوا إلى أمتعتهم إلا بعد ظلام الليل ، ماذا جرى عليهم ؟! وكم فقد من أمتعتهم ؟ وكم باكية لفقد نفقتها التي وضعتها داخل خرجها .
وبعد فراغنا من مزاولة هذه المشاق دخلنا البلد ، ونزلنا داراً عالية البنيان متسعة البيوت ، فيها أربعة طبقات ، كما هو الحال في أكثر بيوت جدة ، والأجرة عن كل نفس ثلاثة قروش صحيحة يومياً ، فبقينا في جدّة ستة أيام ننتظر أمتعتنا المشحونة من بيروت ، فبعد وصولها ومعاناة مشقة التفتيش في الكمرك ، سافرنا قاصدين مكة المكرمة ؛ وفي جدّة زرنا قبر أمّنا حواء ، وقبرها خارج البلدة ، مفرط في الطول .