58الاتصاف ، والاتصاف بالحضرة الأحدية الذاتية مستحيل ، وفيه قيل : ليس وراء عبادان قرية ، وفي هذا المقام يحصل الوصول إلى التوحيد الجمعي الحقيقي المعبر عنه بالتوحيد المحمدي مرة اخرى .
ويذبح نفسه مرّةً أخرىٰ ذبحاً لا تكاد تعيش أبداً ، أيبالحياة الدنيوية المجازية ، لأنّه صار حيّاً بالحياة الحقيقية .
والفايدة والفرق بينهما أن في التوحيد الأول يرتفع الخلق عن نظره بالكلية لقوله : «كُلُّ شَيْءٍ هٰالِكٌ إِلاّٰ وَجْهَهُ » 1 ، وفي التوحيد الثاني يرتفع الصفات كلّها ، لقول العارف الرباني صلوات اللّٰه عليه : «أول الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه» 2 بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة ، وفي هذا المقام يصير الإنسان إنساناً ، والكامل كاملاً ، والعارف عارفاً ، ولهذا يجب الرجوع إلى التكميل وعالم الكثرة لقوله تعالى :
«وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ » 3 ، ولقول الجنيد رضى الله عنه لما سئل عن النهايات :
الرجوع إلى البدايات ، وهذا هو سرّ رجوع الحاج من عرفات إلى منىٰ وفيه ما فيه من الأسرار أيضاً .
ثمّ يرجع إلى منىٰ عالم الكثرة الذي هو عالم المشاعر الإلهية والمناسك الربانية من الأفلاك والأجرام والعناصر والمواليد ، وينظر إليهم بنظر الوحدة الحقيقية دون الأول ، ويشاهدهم على أنهم مظاهر إلهية ومشاعر ربانية والمظهر عين الظاهر والظاهر نفس المظهر ، فيشاهدهم عيناً من وجه ، غيراً من وجه ، خلقاً من وجه ،