59حقاً من وجه كما سبق ذكره من كلام العارف .
ثمّ يشتغل بأداء المناسك فيه ، أيفي منى عالم الظاهر ، من الرمي والذبح والحلق .
ويرمي أولاً في جمرة العقبة التي هي الدنيا ومتاعها سبع طبقات ، عالمها العنصرية والطبيعية من المواليد ، رمياً لا يمكن الرجوع إليها ، وهذا رمي عرفان لا رمي عيان ، أعنى رمي نظر لا رمي تصرف ، فإنه إذا رجع من العوالم المذكورة يجب له التصرف في الكل تصرّف تمليك وتحقيق .
ثمّ يذبح نفسه مرةً أخرى ذبحاً لا تكاد تعيش أبداً ، أيبالحيوة (بالحياة) الدنيوية المجازية ، لأنه صار حياً بالحيوة (الحياة) الحقيقية المشار إليها في قوله :
«وَ لاٰ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ أَمْوٰاتاً بَلْ أَحْيٰاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ » 1 ، وفي قوله : «أَ وَ مَنْ كٰانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنٰاهُ وَ جَعَلْنٰا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّٰاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمٰاتِ لَيْسَ بِخٰارِجٍ مِنْهٰا» 2 .
ثمّ يحلق رأسه ، أيرأس النفس عن محبة الدنيا ومتاعها ، حلقاً لا يكاد يرجع إليها أبداً رجوع نفساني لا غير ، فإن حذف الدنيا نفسك يحكم بالتصرف فيه بقدر الحاجة للناقص وبالمجموع للكامل ، والمراد إسقاطها عن درجة الاعتبار بالكلية ، لأن الدنيا وما فيها ليس عند التحقيق إلا عدم صرف وخيال محض قائمة بأوهام كاذبة لقوله عليه السلام : «الدنيا قائمة بالوهم» ، ولقول الإمام عليه السلام :
«محو الموهوم مع صحو المعلوم» ، لهذا قال :
«قد طلقتك ثلاثة لا رجعة فيها» 3 ، وقال عيسى عليه السلام :
«يا طالب الدّنيا ليبر بها تركك لها أبر أبر و أبر 4» .
ثمّ يرجع من هذا المقام إلى مقام البقاء الذي هو البقاء بعد الفناء ، ويطوف