139والتحقيق في فهم الروايات الواردة في المقام ، أن أمامنا في تفسيرها احتمالات خمسة هي :
الاحتمال الأوّل : أن يراد بها تأسيس معنىٰ شرعي للجدال ، مباين تماماً للمعنى اللغوي والعرفي ، وهذا الاحتمال - رغم أنّه المنصرف عرفاً من الروايات - مردود ، إذ لو كان مراد الروايات ذلك لكانت مناقضةً للقرآن ، فيجب طرحها حتّىٰ لو كانت صحيحة السند ، وإلّا فما معنىٰ مخالفة القرآن؟ وطرح النصوص التي تعارضه؟ فإن المورد من أوضح مصاديق المخالفة ، لأنّ النصّ القرآني يعطي معنىٰ في ظهوره الذاتي ، فيما تنفيه تماماً - حسب الفرض - الدلالة الالتزامية لمفاد الحصر الوارد في الروايات ، فإنّ الأحاديث بحصرها معنى الجدال في اليمين بقطع النظر عن النزاع والخصومة ، تريد بالدلالة الالتزامية نفي النزاع والخصومة ، وهو ما يساوق نفي الظهور القرآني ، فتكون الرواية مخالفةً للقرآن ، لا بنحو التخصيص أو التقييد ، بل بنحو المباينة ، مع الأخذ بعين الاعتبار الدلالة الالتزامية المشار إليها ، وإذا أريد حذف هذه الدلالة لبطل الاحتمال الأوّل الذي يساوق القول المشهور بين الإماميّة ، فإنّ هذا الاحتمال قائم على الحصر ونفي الجدل بالمعنى اللغوي .
إذن ، فحصر الجدال ببعض أنواع اليمين فقط ، مخالف للظهور القرآني للآية فتطرح الروايات أو يردّ علمها إلى أهلها ، ولا معنىٰ لمقارنة كلمة «جدال» بكلمة «غائط» في أن الشرع أكسبها معنى جديداً 1 ، فإنّ هذا لا ضير فيه ، لو كانت الآية قد نزلت بعد هذا التحوّل وحصول الحقيقة الشرعية ، وليس كذلك ، فتحمل الآية على المعنى اللغوي ، إذ لم يرد ما يدلّ علىٰ حصول التحوّل قبل عصر الصادقين عليهما السلام ، فقد تمّ هنا الخلط بين أمرين .
قد يقال : إنّ هذا يتمّ لو لم تكن الروايات بصدد الإشارة إلى الآيات وتفسيرها ، وقد تقدّم أنّها في هذا الصدد ، لا أقلّ الرواية الأولىٰ والثانية المتقدّمتين ،