128الوجه الرابع : قوله تعالى بعد ذلك : [وَ اذْكُرُوا اللّٰهَ فِي أَيّٰامٍ مَعْدُودٰاتٍ . . .] ، وهي أيام منى ، كما أشرنا سابقاً ، وهي دالّة - بظاهرها - على لزوم ذكر اللّٰه فيها سواء كانت يومين أو ثلاثة ، وحالها كحال الأدلّة السابقة ، وقد بيّنا سابقاً تقريب الاستدلال بها ، وردّ الملاحظات على ذلك .
والملفت في هذه الآيات الأربع تكرّر الأمر فيها ، بلغة تشديدية قلّما وجدناها بهذه الصورة التكرارية في النصوص الكتابية ، مما يوجب الجزم بالوجوب حتى لو كان كل واحدٍ منها لو لم ينضم إليه الآخر مشكوك الدلالة ، وهو ما لا نسلّمه ، ومثل هذه الدلالة القرآنية الحاسمة لا يمكن اختزالها في الأذكار الواردة في الصلاة أو على الذبيحة أو ما شابه ذلك ، كما لا يمكن رفع اليد عن دلالتها الحاسمة برواية أو روايتين ما لم توجب الوثوق ، فالمرجع هو النص الكتابي .
وقد كنا أجبنا عن سلسلة الملاحظات المسجلة على بعض الآيات المشار إليها ، وخلصنا إلى أنّه لا موجب لرفع اليد عن ظهور الوجوب في الآيات .
الوجه الخامس : قوله تعالى : [وَ أَذِّنْ فِي النّٰاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجٰالاً وَ عَلىٰ كُلِّ ضٰامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنٰافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ فِي أَيّٰامٍ مَعْلُومٰاتٍ عَلىٰ مٰا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعٰامِ . . .] .
وتقريب الاستدلال بالآية أنّها جعلت غاية أو منتهى الحج شهود المنافع وذكر اللّٰه تعالى ، ولسنا نظن أن هذا الحشد الهائل من أقاصي العالم إنما كان لجملة التلبية أو للتسمية على الذبيحة أو للصلاة ونحوها وما يفعله الناس أينما كانوا ، مما يعني أنّ حركة الحج جاءت لتكوين ظاهرة ذكرٍ للّٰهتعالى تمتاز عن الحالات الاعتيادية .
نعم ، ليس في هذه الآية صيغة أمرٍ دالّةٍ على الوجوب ، إلا أنّها توحي - لا أقلّ - بحضور ظاهرة الذكر حضوراً جاداً في الحج وغاياته مما ينافي المشهور الفقهي اليوم الذي يجيز لك النوم طوال فترة عرفة أو المزدلفة ، وعدم التضرّع أو الذكر للّٰه