235
وبما أن الشعر من الأمور المهمة لدى العرب الجاهليين، فإنهم كانوا يحتكمون فيه لهذه القبيل، فكان الشعراء يقدُمُون على مكة في موسم الحج لأداء المناسك، وعرض أشعارهم على القرشيين فما قبلوه، واستحسنوه، قُبل، وسار بين العرب قاطبة، وما رفضوه رُفض، ومن ذلك أنه قدِم عليهم علقمة الفحل، فأنشدهم قصيدته التي يقول فيها:
هل ما علمتَ وما استودعتَ مكتوم
أم حبلها إذ نأتْك اليوم مصروم
فقالوا: هذا سِمْط الدهر، ثم عاد إليهم في العام المقبل فأنشدهم:
طَحَا بكَ قلب في الحسان طَروُب
بُعَيْد الشبابِ عصْرَ مَشيب
فقالوا: هاتان سِمْطا الدهر 1.
وكان الشاعر يقول الشعر في قبيلته، أو في غيرها من الأماكن خارج مكة، فلا يُعبأ به، ولا يأخذه عنه أحد، حتى يأتي مكة في الموسم، فيعرضه على أندية قريش، فإن استحسنوه، اهتموا به، وعُلِّق على الكعبة، واستنشده الناس، وسارت به الركبان، وكان فخراً لصاحبه، وإن لم يستحسنوه: طُرح ورُدَّ عليه، وأول من عُلّق شعره في الكعبة: امرؤ القيس، وبعده عَلَّقت الشعراء، والشعر الذي يُعلق على الكعبة يسمى: المعلقات، ومن الاحتفاء به أن كانت القصائد الجيدة تُكتب بماء الذهب على القَبَاطِيِّ، وتعلق على ركن من أركان الكعبة، وتسمى:
المُذَهَّبَات 2، ولا غرو، فالشعر الذي يصل إلى هذه المنزلة لابد أن يكون مرَّ
بمراحل من التنقيح، والتنقية، والاختيار، ما أوصله إلى قمة النضج: فصاحةً، وبلاغةً، وحكمةً، وعمقاً في التفكير، ولاشك أن القرشيين في مستوى هذه المرحلة الناضجة من حسن الاختيار، إذ لا تزال مختاراتهم مثار إعجاب، وقدرة، إلى