234
وقول أبي طالب يرثي أبا أمية بن المغيرة، زوج أخته عاتكة بنت عبدالمطلب، وكان خرج في تجارة إلى الشام، فمات في الطريق، ومما قاله في رثائه:
تنادَوْا بأنْ لا سيِّد الحيِّ فيهم
وهكذا تبدو مكانة قريش بين العرب الجاهليين، كما صورها شعراؤهم قبل الإسلام، وقد حفظوا لهم هذا الشرف منذ القدم، فكانوا يقصدونهم من أقاصي شبه الجزيرة العربية لإقامة مناسك الحج والعمرة، وللبيع والشراء، وعقد معاهدات الصلح، والحرب، والتحالف، وللمشورة والتحكيم، وما شابه ذلك، وهذه المكانة العظيمة للقرشيين لم تأت مصادفة، أو لمجرد مجاورتهم للبيت، وسكنهم في مكة، وكونهم من أصل شريف، فقط، بل أيضاً لأنهم كانوا أصحاب فصاحة وبلاغة لا تُضاهى، كما شُهروا برجاحة العقل، وسعة الأفق، وعمق التجربة، وقد نضجت فيهم الحياة العقلية بصفة عامة، نضجاً لمسه العرب دون شك في سعة تفكيرهم، وسداد معاملاتهم، وحسن آرائهم، من خلال احتكاكهم بهم في المعاملات التجارية، داخل مكة وخارجها، كما عرفوهم من خلال خططهم الحربية، وأسواقهم العامرة بصنوف القول، إلى جانب صنوف التجارة، وحكمتهم العميقة الموشِّحة لأشعارهم، وأمثالهم، وهي دون شك تنم عن عقل راجح، وتفكير قويم، من مثل: الجهل شرٌّ الأصحاب، حسْبك من شرٍّ سماعه، من خان هان، عند الصباح يحمد القوم السّرَى، وغدَرَك من دلَّك على الإساءة، وما شابه ذلك 2.