133
يعانيه من اتخذوا إبراهيم أسوة لهم.
لقد عانى إبراهيم التشريد من قبل، بعد أن حطم الأوثان، وأراد أن يحرر الناس من عبوديتها، وعبودية النمرود. ثم طاف الأرض باحثاً عن الحريّة، ومحاولاً أن يبني للناس بيتاً لتحريرهم، بديلاً عن معابد الأصنام، التي تشيع الشرك، والذي هو أبرز رافد تستقي منه عبودية الإنسان للآلهة المزيفة. إن هجرة إبراهيم، ورحلته الطويلة مابين بلاد الرافدين وفلسطين ومكة، كانت هجرة تمدينية، تهدف إلى إرساء قواعد ومعالم شاخصة للحضارة، ومحطات يأوي إليها الناس، حين تضيق الأرض عليهم30.
إن شريعتي يشدد على اشتقاق معنى «التحرير» من وصف البيت ب «العتيق» ، فيغدو بيتاً يفيض الحرية على الوافدين إليه، ذلك أن «العتق» هو «التحرير»31.
ففي البيت العتيق يتساوى الحر والعبد، والأبيض والأسود، والعربي والأعجمي، وتتلاشى كافة الأسماء، والألقاب، والعناوين، والأعراق، وكل مايميز الناس، ويصنفهم إلى طبقات، ومراتب، ودرجات.
الكعبة بمثابة بوصلة تحدد وجهة السير، وترسم الاتجاه الذي ينبغي أن يسعى الجميع نحوه. إنها ((القبلة)) التي تشكل محور اللقاء، وتشير إلى الهدف الشامل للمسلمين بأسرهم32. هي كالشمس في المركز، والناس كالأجرام تسبح حولها. الكعبة ترمز لخلود اللّٰه ودوامه، وحركة الطائفين الدائرية تمثل النشاط الدائم، والسعي المتواصل، والحركة المستمرة. الكل يتمحورون حول الكعبة كشخصية معنوية واحدة، توحد غاياتهم، وتضيء لهم دروب الحياة، وتحذرهم من مزالق الطريق ومنعرجاته، بينما خارج محيط الكعبة يتشرذم الناس، وتصبح لكل منهم وجهة هو موليها33.
وطوافهم حول البيت هو معراج يلتحمون فيه ويندمجون، هو معراج من أجل الناس، والحركة الأبدية باتجاه الحق، وفي طريق الخير العام. وكأن الطواف نهر يفيض بالحب والخير للبشرية كافة. هو استئناف