134
لمسيرة إبراهيم رائد الحب والخير والحرية34.
يقول شريعتي: «في العام الماضي حين كنت أطوف في شدة الزحام، تعرضت مراراً لتدافع شديد، فثرت منفعلاً، غاضباً من هذا السلوك. غير أني شعرت بالأسى والندم، ذلك أن الإنسان في هذه الحالة ينبغي أن ينسلخ من الأنا والذات، بينما ما زالت الأنا غاطسة في داخلي))35.
الطواف والسعي خلاصة شديدة لهجرة هاجر، ورحلتها الشاقة المضنية من أجل تشييد قواعد التوحيد. اختار اللّٰه تعالى هاجر الأَمَة، التي تقع في أدنى سلم الألقاب والمقامات، ومايسبغه الناس من تسميات وعناوين، تصنف المجتمع إلى طبقات ومراتب. اختارها لمهمة ربانية، تعد من أعظم المهمات في مسار النبوة. وفي ذلك دلالة صريحة على أن منظومة القيم والمعايير الربانية، لاتتطابق مع ماينشده الناس، ويتواضعون على تبنّيه في حياتهم. وتظل البشرية عبر الأجيال تقتفي خطى هاجر، وتكرّر مسعاها.
وتبقى أطياف هاجر، وظلالها، وأنفاسها، وزفراتها، يتردد صداها على الدوام.
ففي السعي يترسم الحاج درب هاجر، ويستلهم تجربتها، ويحرص على استئناف مسيرتها، ومحاكاتها بحذافيرها. السعي الذي يحكي ظمأ هاجر، هو تعبير عن ظمأ البشرية الأبدي للإيمان والحق، والعدل، والإحسان، والصدق، والحكمة، والحرية، والأمن، والجمال، والإيثار، والفداء، والحب، والتواضع، وكل قيم الخير والفضيلة. وافتقار البشرية إلى هذه القيم، واضمحلالها يعني انحطاطها وتفسخ مجتمعاتها. والسعي ممارسة، وإعداد تربوي، وتدريب عملي على تجذير هذه القيم، وتنميتها، وترسيخها.
لقد عالج شريعتي كافّة مايؤديه الحاج من شعائر، برؤية تتداخل فيها العقلية التحليلية الناقدة، ومخيلة الفنان، وأحاسيس الشاعر، وذوق المتصوف، وأشواق العارف، فاستغرق في تحليلات شتى، قد لا