132
التوحيد الذي يعني رفض كل أشكال الشرك، ينظر إلى كلّ ذرة وظاهرة في الوجود على أنها تندرج في حركة متسقة باتجاه هدف واحد»25.
إنّ التلبية فاعلية جوّانية، يفصح عنها اللسان، بهذه الصيغة، بغية تطهير جوانح الإنسان من كافة ألوان الشرك، وتعميق التوحيد في وجدانه.
أمّا الكعبة الشريفة، فيشتق لها شريعتي أسماء، يستنبط شيئاً منها من القرآن الكريم، وماورد من أوصاف لها في المأثور. إذ يسميها تارة «بيت الناس» استناداً إلى قوله تعالى:
«
إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين»26
.
فالناس ككل هم ممثلو اللّٰه وعياله. والقرآن يبدأ باسم اللّٰه وينتهي
إنّ هجرة إبراهيم، ورحلته الطويلة مابين بلاد الرافدين وفلسطين ومكة، كانت هجرة تمدينية، تهدف إلى إرساء قواعد ومعالم شاخصة للحضارة، ومحطات يأوي إليها الناس، حين تضيق الأرض عليهم
باسم الناس. والكعبة «بيت اللّٰه» ، ولكن يطلق القرآن عليها اسم «بيت الناس» أيضاً. ويعتقد شريعتي أن الآيات القرآنية التي نسبت الملكية إلى اللّٰه «
إن تقرضوا اللّٰه قرضاً حسناً»27
، المقصود من كلمة اللّٰه فيها هو الناس، وإلّا فما حاجته إلى المال؟
وفي حالات متعددة يمكننا وضع كلمة اللّٰه حيثما كانت كلمة الناس أوالعكس. ومع ذلك تبقى الآية مفهومة وصحيحة28، وهكذا يتحد سبيل اللّٰه مع سبيل الناس، بمعنى أنه لكي تقترب من اللّٰه عليك أن تقترب أولاً من الناس. وأن الوصول إلى اللّٰه إنما يجري من خلال نفع الناس «خير الناس من نفع الناس» وخدمة الناس29.
وعندما بنى إبراهيم الكعبة، أرادها أن تكون بيتاً لمن لا بيت لهم، ومأوى لكل الذين لامأوى لهم، هي مظلة لمن تعرض للطرد والنفي. هي ملاذ للمعذبين والمستضعفين في الأرض، وملجأ للمشردين. إنّها مصباح يضيء في ظلام الطغيان الذي