128
وصيرورة تكاملية، لطي منازل ومقامات في مدارج التكامل المعنوي، والارتقاء من مرتبة إلى أخرى.
الحج حركة دائبة، مستديمة، متوثبة، من منزل إلى منزل، يواكب فيها التسامي المعنوي الانتقال من مشعل إلى آخر. إن الحج يبدأ حيث يهبط المسلم في الميقات ويباشر الإحرام، ويظل يتصاعد الحاج روحياً مع توالي أدائه للمناسك، ومكوثه في المشاعر19.
ومن المزايا التي ينفرد بها الحج، أنه مؤتمر لا كالمؤتمرات المعروفة، فعادة ما يأتلف المؤتمر من جماعة تشترك في مواصفات ترتبط بالموضوع الذي ينعقد هذا الاجتماع لأجله، وهي عادة ماتضم النخبة من ذوي الرأي. بينما الحج ملتقى واسع، يجمع مختلف أصناف المجتمع، وتسوده أعمال عبادية شاملة، ينخرط فيها كافة الحجاج، من دون نظر إلى أعراقهم، ومواقعهم الطبقية، ومستوياتهم الثقافية، ومراتبهم الاجتماعية والوظيفية. إن لقاءً بشرياً من هذا النوع لا تعرفه أية مؤتمرات أو ندوات أخرى، ولا تحصد مكاسبه الكثير من الملتقيات في العالم20.
ويرجع شريعتي الحج إلى شكل من أشكال الهجرة. إنّه هجرة مزدوجة، فهو من جهة هجرة ذاتية أنفسية، يغادر فيها المسلم عالمه الخاص، أولاده، مقتنياته، منزله، ممتلكاته، كذلك يتحرّر من خطاياه، وموبقاته، ونوازع الشر، والأهواء في نفسه، ويتطهر من الأحقاد، والأغلال، والكراهية. لابد أن يوفي كافة ديونه، والديون هنا لاتقتصر على الأموال المقترضة، وإنما تتجاوزها إلى انتهاكات حقوق الناس ومظالمهم، وهي الديون الأهم في عنق الإنسان. هذه هي الهجرة الذاتية الأنفسية، وبموازاتها يهاجر الحاج هجرة أخرى في عالم الإنسان، هجرة خارجية آفاقية، ليتعاطى مع الكثير من الناس، الذين يعاشرهم لأول مرة، ويتوغل في عالمهم، وثقافاتهم، وتقاليدهم، وطبائعهم، ويتفاعل