126
الحج يخلع معنى على ما لا معنى
له
يعترف شريعتي بأنه عندما يتحدث عن الحج إنما يلخص فهمه، وتجربته الخاصة، وما أدركه من معان، وهي بالتأكيد ليست كل المعاني، فهو يصف كتابته عن الحج بأنها «نتاج قدرته المحدودة على التحليل والتلخيص لعرض رمزي معجز، ذلك أن المهيمن على خشبة المسرح في الحج هو ذاته المهيمن على الكون الواسع. وأقول بوضوح: لقد حاولت أن أسكب بحراً في كوز! ففي كل مرة أذهب إلى الحج أحاول أن أعود لتقييم ما استوحيته من المرة السابقة، لكي تنضج رؤيتي. فأكتشف آفاقاً وعبراً جديدة»14.
ويمثل برغسون العالم بأنه «بمثابة موشور زجاجي، لامتناهي الأبعاد، وقادر على تفكيك وعكس مالانهاية له من ألوان. وكل إنسان يقتبس ماهو مستعد لإدراكه من تلك الأبعاد والألوان، حسب شفافية قلبه، وتسامي روحه، وعلى أية حال فهو لايستطيع إدراك تمام الألوان والأبعاد» .
وهكذا هو الحج، فإنّه مشبع بالمعاني والدلالات، وهو كما يقول شريعتي، معلقا على رأي برغسون:
«عبارة عن مجموعة من الإشارات، وأجلى وعي للحج هو وعي أولئك القادرين على إدراك ما ترمز إليه تلك الإشارات»15.
ويضيف: إن مناسك الحج كأنها شكل زجاجي شفاف، متعدد الزوايا والأضلاع، وكل إنسان عندما ينعكس نوره على ضلع من أضلاع هذا الشكل الزجاجي، يتحلل هذا النور إلى مئات الألوان. فليس هناك معنى أحادي لمناسك الحج، وكل
ذلك أن المهيمن على خشبة المسرح في الحج هو ذاته المهيمن على الكون الواسع. وأقول بوضوح: لقد حاولت أن أسكب بحراً في كوز! ففي كل مرة أذهب إلى الحج أحاول أن أعود لتقييم ما استوحيته من المرة السابقة، لكي تنضج رؤيتي. فأكتشف آفاقاً وعبراً جديدة