125
تلك هي المواهب الذاتية، والإمكانات الخاصة، والأدوات المعرفية، التي يمتلكها شريعتي، وفتحت له أبواباً ونوافذ لتأمل وتحليل التجربة الدينية للحاج؟ ودراسة العناصر الرمزية في المناسك، وأنماط التحولات الروحية والأنثروبولوجية للمسلم الحاج.
قد نلتقي في ضيوف الرحمن مع مبدعين، وشعراء، وفنانين، ومفكرين، ومثقفين، وأكاديميين، وسياسيين، وعلماء دين، وعرفاء ومتصوفة، ولكن قليلاً ما نشاهد أحداً تتجاور في شخصه وتلتحم مجموعة من تلك المواهب.
ولاريب في أن الفنان تتجسد المناسك في وجدانه بصورة تحكي الألوان، والتشكيلات، والحركات، والأصوات، وكأنها لوحة متناسقة خلابة، في أطياف ألوانها، وملامحها الجمالية، وأنغامها. وهكذا تبدو المناسك في عيون السياسي، باعتبارها أنموذجاً لوحدة الأمة وتضامنها، ومظهراً لعزتها واقتدارها.
فيما تتجلى المناسك بصورة ثالثة لدى العارف والمتصوف، وهكذا.
أمّا لو تكاملت مجموعة من هذه القابليات والإمكانات في فرد واحد، فسوف تتسع رؤيته، لتلامس طائفة من المعاني والدلالات الرمزية العميقة التي تشي بها الفاعليات المتنوعة للحج، والمواضع المتعددة للمشاعر، يصعب على غيره استلهامها والتعرف عليها.
لقد وظف شريعتي كل عدته المعرفية، وثقافته الواسعة، وخياله الرحب في استجلاء المقاصد الكامنة وراء مناسك الحج، وأشار إلى أن الوجه الظاهر للمناسك بوسعنا وعيه بما نتداوله من أدوات إدراك، لكن الوجه الخفي يتعذر علينا وعيه بهذه الأدوات، لأنه خلاصة لتجربة وجدانية باطنية، لايمكن قياسها أو اكتشافها بمفهوماتنا المتعارفة، كما لانستطيع التعبير عنها بوضوح، لقصور اللغة عن حكاية الأنطولوجيا الذاتية، ومايضيء النفس من نور جوّاني.