124
والمفروض أن مثقفاً كشريعتي يدرك مثل هذا التهافت، ويعي الالتباس بين الشخصية الأيديولوجية، وشخصية المثقف، والشاعر، والفنان، والناقد، لكن موقفه ظل ملتبساً بين شفافية الفنان الرومانسي، وبين أحلام وتطلعات المناضل.
العدة المعرفية للحاج علي شريعتي
تكرر ذهاب شريعتي إلى ديار الرحمن عدة مرات، فقد أدى العمرة ثلاث مرات، فيما أدى الحج أكثر من مرة، في عامي 1970 و 1971، وكانت المشاعر المشرفة في مكة المكرمة، والمشاهد الكريمة في المدينة المنورة، مصدر إلهام لجملة من أفكاره، وانطباعاته، وتأملاته، وإشراقاته الروحية، التي أفاضها في محاضرات وكتابات احتلت مئات الصفحات من آثاره المنشورة.
وتحتل هذه المجموعة من الآثار أهمية فائقة، ليس لحجمها الواسع، وتنّوع ماتناولته من موضوعات، تتصل بفلسفة التاريخ، وفلسفة العبادة، ومقاصد الشريعة، وأهدافها العامة، فقط، وإنّما لأنها تعبر عن تجربة مميزة في أدب الحج، وعموم الإنتاج الفكري حول الحج والعمرة، باعتبار صاحبها من القلائل الذين توفروا على عدّة معرفية، تجمع بين التخصص الأكاديمي في علم الاجتماع وتاريخ الأديان، والاطلاع على تراث وآداب الشعوب الإسلامية، ووعي العصر، وواقع المجتمعات الإسلامية، وأحوال العالم. وقلما نجد من يتوافر في نفس الوقت على ذائقة فنان، وخيال شاعر، وانفعال إنسان رومانسي، وخبرة في العلوم الإنسانية الجديدة، واطلاع واسع على التراث والواقع، وداعية ومناضل.
في شخصية علي شريعتي نلمح عدة أبعاد، تمثل، المفكر، والباحث، والمثقف، والفنان، والناقد، والمتمرد، والداعية. وهي أبعاد ربما يبدو بعضها منافياً للبعض، لاتجتمع وتتوحد في إنسان إلّافي حالات محدودة.