68وتغييرات كثيرة طرأت على الحرم لم تثر أيّ فقيه كحجم الكعبة التي كانت أقلّ علوّاً ممّا هي عليه اليوم، ولو بقرينة روايات تحطيم الأصنام عند فتح مكّة، ومن جهةٍ اُخرى لا ندري كيف وصلت الجمرة إلى وضعها الحالي، فلعلّ التدريج كان هو الطريقة المتّبعة الأمر الذي لم يكن دفعياً حتّى يثير حفيظة أحد.
والملفت للنظر أنّ المستدلّ نفسه، فرّ من بعض التفسيرات لبعض كلمات الفقهاء باحتمال أنّ الجمرة هدمت في بعض الفترات الزمنية وكانت أرضاً 1، فكيف لم يكن هذا الأمر مورداً لسؤال الفقهاء في تلك الحقبة ما قبل صاحب الدروس؟ !
3 - لو لم تكن للأعمدة أساس تاريخي لهدمها الوهابيّون. وهذه القرينة ضعيفة، أقصاها أنّهم يعتقدون بقدمها، وأيّ حجّة علينا نحن في ذلك، بعد أن كنّا معاصرين لهم وقريبين؟ فهل اجتهادهم التاريخي - ونحن لا ندري أنّهم اجتهدوا أساساً - حجّة علينا؟ وأين ما يثبت أنّهم اعتمدوا على دراسة تاريخيّة؟ وهل أنّ ظاهرة هدم المعالم الدينيّة عند الوهابية كان أمراً محصوراً بما لم يثبت تاريخيّاً؟ وهل كان المعيار عندهم هو الثبوت التاريخي أم أمر آخر؟ . . . أسئلة كثيرة لا تجعل لهذه القرينة من قوّة واستحكام.
4 - إنّ مقتضى الطبع العقلائي والعرفي العام هو وضع علائم على مثل هذه الاُمور، والقبور خير شاهد، ولنا في قصّة قبر عثمان بن مظعون شهادة اُخرى 2.
والجواب: إنّ ذلك صحيح كبرويّاً، لكن افتراض أنّ العلامة كانت عموداً في المكان أمرٌ يحتاج إلى دليل، فطريقة تحديد المواضع ليست ذات شكل واحد، فلعلّ العلامة كانت قريبة من مكان الرمي، أو لعلّ مكان الرمي بطبعه كان مشخّصاً كحفرة يجتمع فيه الحصى، أو تلّ صغير من حصى متراكم وما شابه.