67عن الدقّة البالغة المرعية الإجراء اليوم، فقد يعتمدون على تحديد الجمرات ببُعدها عن تلّ أو عن جسم ثابت، وهذا أمرٌ متداول قديماً، ولا غرابة في أن يقيموا تحديداتهم على ذلك، كما لا غرابة في أن يجعلوا علامة لا تكون هي نفس الجمرة، بل قريبة تحدّد الجمرات على أساسها، وحصر الطريقة بما ذكر ليس هناك ما يؤكّده وإن كان محتملاً.
2 - إنّ ظاهرة وضع العمود لاحقاً على تقدير عدم كونه موجوداً قبل ذلك كان من المفترض أن تثير الناس، وربما منع منها بعض الفقهاء نظراً لكونها بدعة أو ما شابه، مع أنّنا لا نجد في أيّ نصّ تاريخي شيئاً من هذا النوع أو حتّى استفهاماً عن الموقف الشرعي من الموضوع 1.
والجواب: أمّا عن عدم التعرّض تاريخيّاً للجمرات فهو أمرٌ له نظائره، ذلك أنّ الكتابة عن تاريخ مكّة والحرم بالشكل المعهود له اليوم وكذلك أدب الرحلة الحجّية وتدوينها. . . كلّ ذلك لم نجده في المصادر التاريخية القديمة إلّاعابراً، فلو كانت هناك ظاهرة اهتمام بتاريخ الحرم، ولم يجر التعرّض للجمرات لكانت هذه القرينة محكمة، أمّا والجوّ العام كان نحواً من عدم الاهتمام فدرجة الدلالة في هذه القرينة ستغدو أضعف، سيما وأنّ كتب التاريخ في القرون الهجرية الأربعة الأولى كانت تاريخاً للسلاطين والسياسات أكثر منها تاريخاً لسائر الاُمور، سواءً في ذلك ما دوّنه المسلمون وما دوّنه غيرهم.
وأمّا عن عدم وجود ردّة فعل فقهيّة إزاء هذا الموضوع على تقديره، فالإنصاف أنّ ذلك قرينة جيّدة، إلّاأنّ تحصيل الاطمئنان بمقتضاها قد يواجه بعض الصعوبات نتيجة عدم وضوح طبيعة المسألة تاريخيّاً، فمن جهة ثمّة حوادث