2113 - ملاحظة تمهيدية، ثالثة وأخيرة، نود الإشارة إليها في إيجاز يقتضيه المقام وقد كان لنا بسط القول فيها في دراسة مفردة 1. والملاحظة - أو التنبيه - هي أنّ أدب الرحلة في العالم العربي الإسلامي يستدعي القسمة أو التصنيف بحسب الحقب التاريخية الكبرى والفاعلة في تشكيل الثقافة العربية الإسلامية، وهذا أمر طبيعي بل إنّه بديهي، غير أنّ ما يتعيّن إبرازه على وجه أخصّ هو أنّ هنالك سمات قوية واضحة تتميّز بها الرحلة في العالم العربي الإسلامي المعاصر، بدءاً من منتصف القرن التاسع عشر وانتهاءً بالخمسينات من القرن الماضي. عن هذه السمات نقول - باختصار وفي إيماء سريع -: إنّها صدى الرجّة التي أحدثها في الوجدان الثقافي الإسلامي العربي المعاصر الاتّصال بالغرب الأوروبي واكتشاف المدنية المعاصرة. هذا ما يكشف عنه بوضوح الصنف من الرحلات، الذي نقول عنه: إنّه صنف «الرحلة الأوروبية» ، ونقصد به ما دوّنه رحّالونا عن أوروبا في رحلاتهم إليها، أمثال الطهطاوي، والشدياق، وبيرم، وابن أبي الضياف و. . .
وأمّا المنتديات العلمية التي يجتازها صاحب الرحلة في رحلته الطويلة (والمتوسط في الرحلة الحجّية في العصور الوسطى سنة كاملة) .
ولعلّي أذكر أنّ لتلك الرحلة سبباً قويّاً وهو كسب الرحلة المذاق الخاصّ الذي أتحدّث عنه، بأنّ الرحلة الحجّية تحوي في طيّاتها رحلة علمية حافلة بكلّ معانيها؛ ذلك أنّ صاحب الرحلة، وهو في الأغلب الأعمّ فقيه أو عالم من علماء الدِّين في مجال من مجالات الرواية والدراية، ينشُد ملاقاة العالم الفلاني الذي سمع عنه في الزيتونة أو الأزهر أو القدس أو المسجد النبوي أو في مكّة المكرمة، وهو يلتمس منه «إجازة علميّة» يرتفع بها قدرُه بين العلماء من أرض الوطن حين