210وهي «رحلة ابن بطوطة» ، عن صدق هذه الفرضية، فلا يجد المتابع للرّحالة المغربي أبلغ ولا أوفى من التدليل على صحّة قولنا من المقاطع والفصول التي يضرب فيها صاحب الرحلة بعيداً، في أقصىٰ بلاد الشرق الأقصىٰ، أو يوغل، في الشطر الثاني من رحلته في ارتياد القرى والغابات البعيدة في مناطق إفريقيا السوداء. بيد أنّا لسنا إلى الحديث النسقي عن الرحلة ونظامها ونسقيّتها نقصد، وإنّما هي ملاحظة أولى تمهيدية وعامّة نصدر بها قولنا لغرض عساه يستبين بعد قليل.
2 - نود التمهيد بملاحظة ثانية، تمهيدية وعامّة أيضاً، وهي أنّ قراءة متن الرحلة العربية الإسلامية تكشف لنا عن وجود أصناف وأنواع من الرحلات في حقيقة الأمر. ونحن نذكر أنّ أحد الباحثين النابهين، ممّن كان لهم اشتغال بالرحلة في الثقافة العربية الإسلامية وإسهام في نفض الغبار عن بعض النصوص الهامّة التي تكاد تُنسى، يحصي خمسة عشر صنفاً من أصناف الرحلة 1. فقد تكون الرحلة في الإسلام بهدف استكمال المعرفة أو تنقيحها في «رحلة علمية» ، فالرحالة ينشد مجالسة عالمٍ أو الفوز بالإجازة العلمية منه. وقد تكون الرحلة متّصلة بالحياة الروحية. وقد تكون الرحلة خلوّاً من الأمر معاً فهي تستهدف المتعة والسياحة، فهما الوجهة والمقصد، كما أنّها تكون بهدف الحجّ وطلب الركن الخامس من أركان الإسلام في «رحلة حجّية» ، أو هي تكون بهدف القيام بسفارة أو المشاركة فيها كاتباً مدوّناً أو مترجماً عن السفير فهي «رحلة سفارية» . . ولعلّها تكون نتفاً من هذا كلّه فهي «رحلة عامّة» تجمع بين السياحة، والمتعة، والحجّ، وطلب العلم، وملاقاة أهل الزهد والورع.