183هل لكم في خير ممّا جئتم له؟
فقالوا له: وما ذاك؟
قال: أنا رسول اللّٰه بعثني إلى العباد، أدعوهم إلى أن يعبدوا اللّٰه ولا يشركوا به شيئاً، وأنزل عليَّ الكتاب، ثمّ ذكر لهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن.
فقال إياس بن معاذ، وكان غلاماً حدثاً: أي قوم، هذا واللّٰه خيرٌ ممّا جئتم له.
إلّا أنّ هذا الموقف لإياس لم يعجب آخرين ممّن كانوا معه، فأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع حفنةً من تراب البطحاء، فضرب بها وجه إياس بن معاذ، وقال:
دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا، فصمت إياس، وقام رسول اللّٰه عنهم، وانصرفوا إلى المدينة، وكانت وقعة بُعاث بين الأوس والخزرج، ثمّ لم يلبث إياس هذا أن هلك.
قال محمود بن لبيد: فأخبرني من حضره من قومه عند موته: أنّهم لم يزالوا يسمعونه يهلّل اللّٰه تعالى ويكبّره ويحمده ويسبّحه حتّى مات، فما كانوا يشكّون أن قد مات مسلماً، لقد كان استشعر الإسلام في ذلك المجلس، حين سمع من رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله ما سمع 1.
ونظراً لكون رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله داعيةً صبوراً وصاحب هدف سماويّ، نراه لم يقنط ولم ييأس من دعوتهم، فحالهم حال القبائل الاُخرى، والأشخاص الآخرين الذين تمرّدوا ثمّ آمن فريقٌ منهم، فلم يكفّ عن انتظارهم في مواسم الحجّ وعن دعوتهم إلى الإسلام، وكيف لا يكون حريصاً على دعوتهم وإنقاذهم وهو على اطّلاع واسع ومعرفة تفصيليّة بما يدور بينهم من قتال، وما يتآمر به عليهم أعداؤهم داخل يثرب وخارجها، وبما يبذله اليهود في المدينة من جهود حثيثة