182فكانت حرب سُمير التي التقى فيها الفريقان الأوس والخزرج مع كامل بطونهما في قتال مرير، لم يتوقّف حتّى ترك وراءه جروحاً نازفة، وأجساداً مقطّعة، وأنفساً زاهقة، ويتامىٰ وأرامل واُمّهات ثكلىٰ. . .
وتشبه حرب سُمير هذه حرب البسوس المعروفة، والتي دارت رحاها بين قبيلتي بكر وتغلب، شرارتها الاُولى ناقة قُتلت، وصرخة امرأة تميميّة (البسوس) :
«واذلّاه» ، فكان ذلك القتل وهذا الصراخ ولادة تعيسة لسيوف مشهورة ورماح مرفوعة، ودماء وأجساد تتهاوىٰ. . . دامت أربعين سنة.
ثمّ توالت بين قبائل المدينة معارك اُخرى، كادت أن تفني الطرفين، فالرحابة والسرارة والحصين والفارع والحسر والربيع والبقيع والفجار الأوّل ومعبِّس والفجار الثاني، وفيه تحالفت الأوس وقبيلتان يهوديّتان هما بنو النضير وبنو قريظة ضدّ الخزرج، وبعاث التي كادت أن تفنى فيها قبيلة الخزرج حتّى صاح صائح: يا معشر الأوس، أحسنوا ولا تهلكوا إخوانكم، فجوارهم خير من جوار الثعالب، أي اليهود، كلّها أيّام دم وحقد وضغائن، واليهود من ورائها تشعل النار وتذكي الثارات، وتحيي الأحقاد وتوغر القلوب.
هذه خلاصة للحالة التي كانت تعيشها يثرب وللواقع المرير الذي كانت عليه هذه المدينة، التي راح جَمْعٌ ممّن بقي من عقلائها ينتظر من يُنقذهم ويخلّص البقيّة الباقية من دمارٍ حقيقي ينتظرهم، بعد أن يئست كلّ محاولاتهم لإنقاذ هذه البلاد التي صار همّها الشغال هو الخروج من حرب والدخول في اُخرى، ومن حلف مع هذا أو ذاك للقضاء على الآخر من الأوس أو الخزرج.
تقول الرواية: لمّا قدم أبو الحيسر أنس بن رافع مكّة ومعه فتية من بني عبد الأشهل، فيهم إياس بن معاذ، يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، سمع بهم رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله فأتاهم جلس إليهم، فقال لهم: