184لإدامة زخم العداء بين قبائلها، وبما يأمله من أن تنتصر كفّة المخلصين من أهلها الذين ما فتئوا يترقّبون منقذاً ومخلّصاً لهم ممّا يعانون؛ ولهذا فقد سُرَّ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله ورأى في لقائه بستّة من رجالهم، وكانوا من الخزرج، فرصةً كبيرة حينما رآهم يصغون إليه ويستمعون إليه بحرص وصدق، وهو يحدّثهم حديثاً طيّباً عن أوضاعهم، وعن ما يحمله من رسالة سماويّة منقذة لهم.
وما إن أتمّ رسول اللّٰه حديثه حتى بادر بعضهم إلى القول: «هذا واللّٰه النبيّ الذي تتوعّدكم به اليهود» ، وهو قول اللّٰه تعالى في كتابه الكريم:
وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّٰهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (البقرة: 89) .
فيما قال بعض آخر: «إنّ بين قومنا شرّاً، وعسى اللّٰه أن يجمعهم بك، فإن اجتمعوا عليك، فلا رجل أعزّ منك» 1.
وبعد أن أعلنوا تصديقهم وإيمانهم به، رجعوا إلى أهلهم يبشّرونهم ويحدّثونهم بما سمعوه من رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله، وراحوا يترقّبون مجيئه لهم، وينتظرون بلهفة وشوق مَقْدَمه المبارك، بعد بيعتهم له في العقبة الأولى والثانية.
***
الرسول صلى الله عليه و آله في المدينة
ما إن حلّ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله بالمدينة، بعد أن جاءها مهاجراً من مكّة المكرّمة في رحلة الهجرة النبويّة المعروفة، حتّى بادر صلوات اللّٰه عليه - في وقت جمعت قريش جموعها وجنّدت صناديدها وعبّأت قوّاتها لملاحقته والتصدّي لمشروعه السماويّ - «إلى بناء أُسس دولته الفتيّة على أكتاف جموع من المؤمنين به وبرسالته