185المباركة من المهاجرين والأنصار، وكانت أولى مهامّه ومسؤولياته - وهو العالِم بأنّ قريشاً لا تتركه وأنّها قادمة لا محالة، وهو العارف أيضاً بتركيبة مجتمع يثرب وقبائلها وطوائفها المتعدّدة من اليهود والمتواجدة هنا وهناك داخل يثرب وأطرافها، وما تقوم به من دور اجتماعيّاً واقتصاديّاً، وما كانوا يقومون به من تغذية للخلافات بين قبائل هذه البلاد - أن يوادع هذه الطوائف وتلك القبائل، متعهّداً باحترامها واحترام عقائدها ضامناً حريّة عباداتها وشعائرها، وأن يعيشوا مطمئنين ويعملوا - كغيرهم من المسلمين - بأمن وسلام. . . ما داموا موادعين مسالمين لا يهجمون على مسلم ولا ينصرون عدوّاً للمسلمين، ولا يعكّرون أمناً ولا يثيرون فتنةً، ولا يسيئون إلى جوار. . . هذا من جهة رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله.
وأمّا من جهة اليهود بطوائفهم الثلاث الرئيسيّة في يثرب - وهم بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة - الذين اتّخذوا من أطراف المدينة مأوى لهم وسكناً وعملاً وتجارةً، بعد أن طردهم من الشام وطاردهم نبوخذنصر وشتّت جموعهم ولاحقهم، حتى لم يجدوا مكاناً يأوون إليه ويأمنون به ملاحقته وبطشه بهم إلّاهذه المنطقة التي تسمّى (يثرب) وسمّيت فيما بعد بالمدينة، فسكنوا فيها وصارت لهم أسواق عامرة وتجارة واسعة، فقويت شوكتهم بما يملكونه من مال. . . 1، فقد راحوا يراقبون الدِّين الجديد وتطوّراته في مكّة والمدينة، وتأتيهم أخباره ويطّلعون على أنشطته وتوسّعه وانتشاره، وكانوا يعرفون جيّداً أهمّيته وخطورته، وما قد يأتي به من مفاهيم وأحكام ومواقف قد تؤثّر على حياتهم الاقتصادية والسياسيّة. . . وقد أدركوا هذه كلّها، وراح فريق منهم يفكّر فيما يفعله، أو ماذا يجب عليهم فعله.