110الإسلام لمّا كان المعاش ضيِّقاً، والأسعار متصاعدة في المآكل والملابس، حافظ النبيّ صلى الله عليه و آله، والصحابة في أيّامهم على المآكل الجشبة، والملابس الخشنة أو الخَلقَة؛ لئلا تنكسر قلوب الفقراء، ولتطيب نفوسهم، فإنّهم إذا رأوا سيّد الجميع لابساً رَثَّ اللباس، وآكلاً أدنى المأكول، استقرّت نفوسهم، واطمئنّتْ قلوبهم، وارتفعت كدورتهم.
ثمّ لمّا توسّعت أحوال الناس، وقوي الإسلام، ورخصت الأسعار، استعمل الأكثر من الخلفاء أحسن الملبوس، وأكلوا أطيب المأكول، وهذا التعليل مستفاد من الأخبار أيضاً.
ولذلك نقول في أمر بناء (المساجد) و (الحَضْرَات) ، فإنّهم كانوا لا يرفعون البناء، ولا يزيّنون الدور، لما بهم من القصور، فإذا كانت بيوت اللّٰه، وبيوت أنبيائه لم يرفع بناؤها طابت نفوس الفقراء، واطمئنّت قلوبهم.
وأمّا في مثل هذه الأيّام ونحوها، حيث ارتفع بناءُ الدور، فلا وجه لجعل بيوت اللّٰه أخفض منها، ومَنْ يرضى بتعلية بيوت الخلق على بيوت الخالق مع أنّ في تعليتها تعظيماً لشعائر اللّٰه، وهي البيوت التي أذِن اللّٰه أن تُرفع ويُذْكر فيها اسمه.
و (القباب) منها؛ لأنّها جُعلتْ للعبادة، وليس في بناء القباب تجديد قبر، لأنّ القبر باقٍ على حاله لم يجدّد، وإنّما وضع أساس القبّة بعيداً عنه، ليكون فيها علامة على (المزار) الذي نَدَب إلى زيارته العزيزُ الجبّار، ولتكون ظلالاً للزائرين، فلا تدخل في باب التجديد أصلاً، وكذا صندوق الخشب، فإنّه أجنبيٌّ عن القبر لا دخل له به.
وعلى كلّ حال، فأصل وضع البناء لهذه المقاصد الجليلة ليس فيه بأس أصلاً، ولو تُركت العلامات ما أمكن التوصّل إلى زيارة أكثر الأموات لاندراس آثارهم، فوُضعَ هذا للتمكّن من إدراك فضيلة زيارة القبور، وكلّما كان الشاهد أحكم، كانت دلالتهُ على المشْعَر أدوم.