105وبيان الأمر على التحقيق: هو أنّه قد عُلم أنّ لسان الشارع جارٍ على نحو لسان العرب، ففيه حقائق، ومجازات، واستعارات، وكنايات، وخطابات، تشتمل على المبالغات، كما أنّ لساننا يشتمل على ذلك من غير إنكار، فإنّ الذنب إذا صدر من شخص وأردنا استعظامه، صحَّ لنا أن نُسمِّيه كفراً، وأنْ نسمّي فاعله كافراً. ولا يزال ذلك يقع على مرور الأزمان من أيّام النبيّ صلى الله عليه و آله إلى هذا الآن، مع أنّه ليس في ذلك إنكار، بل قد يُعَدُّ من أفعال الأبرار، على أنّ كُلَّ مَن صدر منه ذنبٌ ولو صغير، لم يفِ بجزاء نِعَم اللطيف الخبير.
فإطلاق الكفر لعلّه من باب الكفر ببعض النعم الذي هو كفر صغير.
على أنَّ أنظار الأنبياء والأولياء ليس إلى المعاصي، حتّى يكون فيها صغيرٌ وكبير، بل إلى مَنْ عصاه الناس وهو اللطيف الخبير.
فإذا لاحظت أنّ المعصية كانت في حقّ اللّٰه، تجدها - ولو صغرت - أكبر من الجبال الرواسي، حتّى أنّه بلسان الورع والتقوى دون الفقه والفتوى، ربما لا يفرق بين الصغائر والكبائر. بل ربما نقل عن بعض الأولياء أنّه لا فرق بين المكروه والحرام، والمسنونات وفرائض الأحكام، قال: لأنّ الكُلّ مطلوب للملك العلّام.
وإذا بُني على هذا استُحسن هذا الإطلاق، وحسن إطلاق اسم المعاصي والمحرّمات على فعل المكروهات، والفرائض والواجبات على فعل المستحبّات والمندوبات، وكبائر الخطيئات على صغائر التبعات، والكفر والكفّار على كلّ مَنْ عمل ما يوجب دخول النار.
ولولا ذلك للزم كفر أكثر من في الأرض؛ لأنّه قلّما خلت معصية من هذا الغرض، ولو عملنا بجميع ظواهر الأخبار؛ لاختلّت علينا أحكام ملّة النبيّ المختار، وفّقنا اللّٰه وإيّاك، وهدانا اللّٰه إلى الحقّ وهداك 1.