106
المقصد الثاني: في تحقيق معنى العبادة
لاريب أنّه لا يراد بالعبادة التي لا تكون إلّاللّٰه، ومن أتى بها لغير اللّٰه، فقد كفر مطلق الخضوع والخشوع والانقياد، كما يظهر من كلام أهل اللغة، وإلّا لزم كفر العبيد والأُجراء، وجميع الخدّام للاُمراء، بل كفر الأبناء في خضوعهم للآباء، وجميع مَن تواضع للاخوان، أو لأحد من أصحاب الإحسان.
وإنّما الباعث على الكفران، الانقياد لبعض العباد مع اعتقاد استحقاقهم ذلك بالاستقلال من دون توجّه الأمر من الكريم المتعال، وأنّ لهم تدبيراً واختياراً.
ولفظ (العبد) و (العبادة) قد يُطلق على مطلق المطيع والطاعة، فقد ورد: أنّ العاصي عبد الشيطان، وأنّه عبد الهوى، وأنّ الإنسان عبد الشهوات، وأنّ مَنْ أصغى إلى ناطقٍ فقد عبده.
ثمّ مَنْ اتبع قول قائل؛ لأنّه مُخْبِرٌ عن غيره، فهو عابد للمُخْبَر عنه، لا للمُخْبِر. ومَن خدم شخصاً بأمر آمر، فالمعبود هو الآمر، ومن تبرّك بشيء لأمره، كان ذلك من عبادة الآمر، فالملائكة في سجودهم لآدم، ويعقوب في سجوده ليوسف، والناس في تقبيلهم للحجر الأسود والأركان، لم يعبدوا سوى مَن أمرهم بذلك.
ثمّ السجود والخضوع لعروض بعض الأسباب، لا يُنافي الإخلاص لربّ الأرباب.
روى أبو داود والترمذي، عن عكرمة، قال: قيل لابن عبّاس: ماتت (فلانة) - بعض أزواج النبيّ صلى الله عليه و آله -، فخرَّ ساجداً، فقيل له: تسجد في هذه الساعة؟ فقال: قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: إذا رأيتم آيةً فاسجدوا، وأيّ آية أعظم من ذهاب